أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ لَفْظِ الصَّدْرِ، أَوْ بِمُسَاوِيهِ بَلْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ.
لِأَنَّ إيهَامَ الْبَقَاءِ كَافٍ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ حَقِيقَةُ الْبَقَاءِ.
وَذَلِكَ بِحَسَبِ صُورَةِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَلَا يَضُرُّ إيهَامُ الْمَعْنَى.
مَثَلًا لَوْ قَالَ: (عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ، أَوْ قَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا سَالِمًا وَرَاشِدًا وَغَانِمًا) ، وَكَانَ جَمِيعُ عَبِيدِهِ هَؤُلَاءِ فَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ إلَّا أَلْفًا، وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ عِبَارَةً عَنْ الْأَلْفِ فَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ.
وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ شَيْئًا.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِينَارًا.
، وَكَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ مُسَاوِيَةً لِلْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ أَكْثَرَ، فَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ (عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْيَنَابِيعِ وَالذَّخِيرَةِ) ، وَفِي هَذَا الْحَالِ لَا يَأْخُذُ الْمُقَرُّ لَهُ شَيْئًا.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَفْظَ الْمُسْتَثْنَى فَعَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ صَحِيحٍ.
مَثَلًا: اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ مِنْ الْبَيْتِ، أَوْ الدَّارِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَدْخُلُ فِي الدَّارِ تَبَعًا، وَهُوَ وَصْفٌ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْوَصْفِ.
لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَمْرٌ لَفْظِيٌّ وَيَعْمَلُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يَتَنَاوَلُ اللَّفْظَ، وَالْحَالُ أَنَّ لَفْظَ دَارٍ أَصَالَةً لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ بَلْ يَدْخُلُ تَبَعًا، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
إذَا أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِدَارٍ لِزَيْدٍ وَاسْتَثْنَى الْبِنَاءَ فَتَكُونُ الدَّارُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ.
فَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: إنَّ بِنَاءَ هَذِهِ الدَّارِ لِي، وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْأَرْضُ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ عِنْدَمَا قَالَ: إنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِي قَدْ ادَّعَى الدَّارَ لِنَفْسِهِ، وَبِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ أَرْضَهَا لِفُلَانٍ يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمُقَرِّ لَهُ تَبَعًا لِلْإِقْرَارِ بِالْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ.
إنَّ هَذِهِ الْمُطَالَعَاتِ هِيَ صَحِيحَةٌ فِي الْإِقْرَارَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
أَمَّا الْإِقْرَارَاتُ بِاللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَجَرَيَانُ الْمُطَالَعَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا مُحْتَاجٌ لِلتَّأَمُّلِ.
إنَّ أَحَدًا يُنْشِئُ أَبْنِيَةً فِي عَرْصَةِ آخَرَ غَصْبًا، أَوْ اسْتِعَارَةً، أَوْ اسْتِئْجَارًا ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ الدَّارَ لِي وَالْعَرْصَةَ لِفُلَانٍ.
فَكَيْفَ تُعْطَى الْعَرْصَةُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ لَا يَتَخَطَّرُ أَيُّ تُرْكِيٍّ بِأَنَّ الْبِنَاءَ هُوَ وَصْفُ الْعَرْصَةِ.
اسْتِثْنَاءُ فَصِّ الْخَاتَمِ وَنَخْلَةِ الْبُسْتَانِ وَطَوْقِ الْجَارِيَةِ كَحُكْمِ الْبُسْتَانِ فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: (هَذَا الْخَاتَمُ لِفُلَانٍ إلَّا فَصَّهُ) فَالِاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ صَحِيحٍ بِخِلَافِ: الْحَلْقَةُ لِفُلَانٍ وَالْفَصُّ لِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ.
لَكِنْ إذَا قَالَ الْمُقِرُّ: إنَّ بِنَاءَ الدَّارِ لِي، وَعَرْصَتُهَا لَك فَيَكُونُ كَمَا قَالَ الْمُقِرُّ: لِأَنَّ الْعَرْصَةَ بِدُونِ الْبِنَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ بُقْعَةٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ.
وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: إنَّ بِنَاءَ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ، وَأَرْضُهَا لِعَمْرٍو فَتَكُونُ كَمَا يَقُولُ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ بِالْبِنَاءِ لِزَيْدٍ أَصْبَحَ الْبِنَاءُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إقْرَارُ الْأَرْضِ لِعَمْرٍو، وَإِخْرَاجُ الْبِنَاءِ مِنْ مِلْكِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ.
بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْبِنَاءَ مَمْلُوكٌ لَهُ فَإِذَا أَقَرَّ بِالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ يَتْبَعُهَا الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ.
أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ فَصَحِيحٌ حَيْثُ إنَّ الْبَيْتَ جُزْءٌ مِنْ الدَّارِ فَاسْتِثْنَاؤُهُ صَحِيحٌ كَاسْتِثْنَاءِ ثُلُثِهَا وَرُبْعِهَا.
إذْ إنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِجُزْءٍ مِنْ الدَّارِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْضٍ وَبِنَاءٍ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ