للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقْسِيمُ الِاسْتِثْنَاءِ: الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مُتَّصِلٌ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْرَاجِ وَالتَّكَلُّمِ بِالْبَاقِي.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مُنْفَصِلٌ، وَإِخْرَاجُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ.

شُرُوطُ الِاسْتِثْنَاءِ: لِلِاسْتِثْنَاءِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: اتِّصَالُ الْمُسْتَثْنَى بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَمْ يُوجَدْ عُذْرٌ كَالنَّفَسِ وَالسُّعَالِ وَأَخْذِ الْفَمِ.

فَلِذَلِكَ إذَا وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ مَفْصُولًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ.

، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مَفْصُولًا وَبِجَوَازِهِ وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ سَنَةٍ.

أَمَّا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ نِدَاءٌ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ لِلتَّنْبِيهِ وَالتَّأْكِيدِ فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَا فُلَانُ إلَّا عَشَرَةً فَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ إذَا كَانَ مُفْرَدًا كَقَوْلِهِ: يَا فُلَانُ، أَوْ مُضَافًا كَقَوْلِهِ: يَا ابْنَ فُلَانٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمُنَادَى الْمُقَرَّ لَهُ أَوْ أَحَدًا غَيْرَهُ نَحْوَ قَوْلِكَ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ يَا عَمْرُو إلَّا عَشَرَةً.

فَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ.

لَكِنْ إذَا تَخَلَّلَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إشْهَادٌ، أَوْ تَسْبِيحٌ أَوْ تَهْلِيلٌ، أَوْ تَكْبِيرٌ فَيُخِلُّ الِاتِّصَالَ، فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاشْهَدُوا إلَّا كَذَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ حَصَلَ بَعْدَ تَمَامِ الْإِقْرَارِ فَالِاسْتِثْنَاءُ كَانَ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى بَعْضَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلِذَلِكَ فَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ أَيْ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ بَاطِلٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ عَيْنَ لَفْظِ الصَّدْرِ، أَوْ بِمُسَاوِيهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّكَلُّمِ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَبِاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ لَا يَبْقَى بَاقٍ فَهُوَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مَوْصُولًا أَمْ مَفْصُولًا.

وَلَوْ كَانَ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَابِلَةِ لِلرُّجُوعِ كَالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ لَيْسَ رُجُوعًا بَلْ هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ؛ فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ (إنَّ مَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِفُلَانٍ إلَّا أَلْفًا) يُنْظَرُ: فَإِذَا كَانَ فِي الْكِيسِ دَرَاهِمُ أَكْثَرُ مِنْ الْأَلْفِ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَالْأَلْفُ لِلْمُقِرِّ، وَإِذَا كَانَتْ أَلْفًا، أَوْ أَقَلَّ كَانَتْ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِشَيْئَيْنِ، وَاسْتَثْنَى تَمَامَ أَحَدِهِمَا فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ كَمَا أَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى تَمَامَ أَحَدِهِمَا وَبَعْضَ الْآخَرِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ أَيْضًا، مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: (لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ، وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ) فَاسْتِثْنَاءُ الْكُرِّ وَالْقَفِيزِ بَاطِلَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ كُرِّ الْحِنْطَةِ لَغْوٌ، وَبَاطِلٌ لِكَوْنِهِ اسْتِثْنَاءً مُسْتَغْرِقًا.

كَمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَذْكُورَ قَاطِعٌ لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَاسْتِثْنَاءُ الْقَفِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَمُنْقَطِعٌ مِنْهُ فَهُوَ بَاطِلٌ خِلَافًا لَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا قُدِّمَ اسْتِثْنَاءُ الْقَفِيزِ وَأُخِّرَ اسْتِثْنَاءُ الْكُرِّ أَيْ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ فَاسْتِثْنَاءُ الْقَفِيزِ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ.

لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُوجَدُ فَاصِلٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالتَّكْمِلَةُ) .

قِيلَ: إنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ سَوَاءٌ أَكَانَ بِعَيْنِ لَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ بِمُسَاوِيهِ.

مِثَالٌ لَعَيْنِ لَفْظِ الصَّدْرِ قَوْلُهُ: (نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي) وَمِثَالُ مُسَاوِيهِ قَوْلُهُ: (نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَوْجَاتِي) (وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا مَمَالِيكِي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>