الْمُدَّعِي الْمَشْرُوحَةَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ لَك عِنْدِي تِلْكَ الْوَدِيعَةُ وَلَكِنْ رَدَدْتهَا وَسَلَّمْتهَا لَك فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ) .
لَوْ أَمْكَنَ تَوْفِيقُ الْكَلَامَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرَيَانِ مُتَنَاقِضَيْنِ وَوَفَّقَهُمَا الْمُدَّعِي أَيْضًا يَرْتَفِعُ التَّنَاقُضُ. وَلَيْسَ تَعْبِيرُ الْمُدَّعِي هُنَا احْتِرَازِيًّا إذْ الْحُكْمُ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَلَا يَرْتَفِعُ التَّنَاقُضُ بِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ فَقَطْ أَيْ لَوْ أَمْكَنَ تَوْفِيقُ الْكَلَامَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرَيَانِ مُتَنَاقِضَيْنِ وَلَمْ يُوَفِّقْهُمَا الْمُدَّعِي بِالْفِعْلِ فَلَا يَرْتَفِعُ التَّنَاقُضُ اسْتِحْسَانًا وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمَجَلَّةِ بِأَنَّهَا اخْتَارَتْ هَذَا الْقَوْلَ. وَفِي الْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ ثَلَاثَةُ احْتِمَالَاتٍ:
الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ تَوْفِيقُ الْكَلَامَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرَيَانِ مُتَنَاقِضَيْنِ غَيْرَ مُمْكِنٍ.
الثَّانِي - أَنْ يَكُونَ تَوْفِيقُهُ مُمْكِنًا وَلَمْ يَجْرِ التَّوْفِيقُ.
الثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ تَوْفِيقُهُ مُمْكِنًا وَيُوَفَّقُ.
فَفِي الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ تَكُونُ الدَّعْوَى غَيْرَ صَحِيحَةٍ وَفِي الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ تَكُونُ صَحِيحَةً. أَمَّا فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَفِيهِ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ:
١ - يَلْزَمُ تَوْفِيقُهُ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي فِيهِ إمْكَانُ التَّوْفِيقِ.
٢ - يَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ فِيهِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ التَّنَاقُضُ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَانَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ مُتَّحِدًا أَوْ غَيْرَ مُتَّحِدٍ. مَثَلًا لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي قَائِلًا: قَدْ اشْتَرَيْت هَذَا الْمَالَ مِنْ أَبِي فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ وَأَنْكَرَ الْخَصْمُ وَلَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي وَحَلَفَ الْخَصْمُ الْيَمِينَ ثُمَّ رَجَعَ الْمُدَّعِي وَادَّعَى بِأَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ مِيرَاثٌ لَهُ عَنْ وَالِدِهِ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ حَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْته فَأَنْكَرَ الْبَيْعَ ثُمَّ وَرِثْته أَمَّا إذَا ادَّعَى أَوَّلًا الْإِرْثَ وَادَّعَى ثَانِيًا الشِّرَاءَ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْقَوْلُ بِكِفَايَةِ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ مُطْلَقًا وَهُوَ قِيَاسٌ.
٣ - إذَا كَانَ التَّنَاقُضُ مِنْ الْمُدَّعِي فَيَلْزَمُ فِيهِ التَّوْفِيقُ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ. أَمَّا إذَا كَانَ التَّنَاقُضُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وُجُودُ التَّوْفِيقِ وَالظَّاهِرُ حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ وَلَيْسَ حُجَّةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلِذَلِكَ فَالظَّاهِرُ يَكْفِي فِي الدَّفْعِ وَلَا يَكْفِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ.
٤ - إذَا كَانَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ مُتَّحِدًا فَيَكْفِي فِيهِ إمْكَانُ التَّوْفِيقِ أَمَّا إذَا كَانَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ مُتَعَدِّدًا فَلَا يَكْفِي فِيهِ إمْكَانُ التَّوْفِيقِ بَلْ يُشْتَرَطُ التَّوْفِيقُ بِالْفِعْلِ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ جَارٍ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute