للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَزُولُ مَا كَانَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ صَادِقٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْأَوَّلِ.

وَقَدْ اُتُّفِقَ عَلَى جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ مَعَ التَّصَرُّفِ وَقَدْ جَوَّزَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمِلْكِ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ بِدُونِ التَّصَرُّفِ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِسْعَافِ وَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ مُعَايَنَةِ الْيَدِ حَيْثُ إنَّ يَدَ الْمُسْتَوْدِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ يَدُ أَمَانَةٍ وَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ هِيَ كَيَدِ صَاحِبِ الْمِلْكِ أَمَّا صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَدْ رَجَّحَ جَوَازَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ بِدُونِ التَّصَرُّفِ قَائِلًا: إنَّ التَّصَرُّفَ يَتَنَوَّعُ إلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَصَرُّفُ الْأَصَالَةِ. وَالْآخَرُ تَصَرُّفُ النِّيَابَةِ، كَتَصَرُّفِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالْوَكِيلِ (انْتَهَى مَعَ ضَمٍّ مِنْ الزَّيْلَعِيّ) . فَلِذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِي ضَمِّ التَّصَرُّفِ عَلَى الْيَدِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ أَنْ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْيَدِ وَأَنْ يُسَهَّلَ أَمْرُ الشَّهَادَةِ (الزَّيْلَعِيّ) .

وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى مُعَايَنَةِ الْيَدِ هِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: النَّوْعُ الْأَوَّلُ: يَكُونُ بِمُعَايَنَةِ الْمَالِكِ وَالْمِلْكِ وَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ أَحَدٌ الْمَالِكَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ وَأَنْ يَعْرِفَ أَيْضًا الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ الْأَرْبَعَةِ فِي يَدِ الْمَالِكِ بِدُونِ مُنَازَعَةٍ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ يَرَاهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَلَهُ عِنْدَ الدَّعْوَى بَيْنَ الِاثْنَيْنِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ الْمِلْكَ الْمَذْكُورَ هُوَ مِلْكٌ لِذِي الْيَدِ الْأَوَّلِ.

النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَدْ عَايَنَ الْمِلْكَ وَلَمْ يُعَايِنْ الْمَالِكَ. مَثَلًا لَوْ كَانَ قَدْ عَلِمَ عَقَارًا بِحُدُودِهِ الْأَرْبَعَةِ وَعَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَالِكَهُ بِوَجْهِهِ وَنَسَبِهِ ثُمَّ جَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمَنْسُوبُ لَهُ الْمِلْكُ وَادَّعَى عَلَى آخَرَ بِأَنَّ الْعَقَارَ الْمَذْكُورَ الْمَحْدُودَ هُوَ مِلْكُهُ فَلِلشَّاهِدِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ الْمَحْدُودَ هُوَ مِلْكٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَصَارَ الْمَالِكُ مَعْلُومًا بِالتَّسَامُحِ وَالْمِلْكُ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ لَمْ يُسْمَعْ

مِثْلُ هَذَا لَضَاعَتْ حُقُوقُ النَّاسِ

؛ لِأَنَّ فِيهِمْ الْمَحْجُوبَ وَمَنْ لَا يَبْرُزُ أَصْلًا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرَاهُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ بِالتَّسَامُحِ وَإِنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالتَّسَامُحِ وَفِي ضِمْنِهِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِهِ وَهُوَ لَا يَمْتَنِعُ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُهُ قَصْدًا (الزَّيْلَعِيّ) وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ وَكَذَا فِي الْمَشْهُودِ لَهُ (الشِّبْلِيُّ) .

النَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ قَدْ عَايَنَ الْمِلْكَ وَالْمَالِكَ بَلْ إنَّهُ سَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَقَارًا فِي الْقَرْيَةِ مَحْدُودًا بِكَذَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ الْعَقَارَ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُشَاهِدْ أَنَّ فُلَانًا الْمَذْكُورَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ (الزَّيْلَعِيّ وَالشِّبْلِيُّ) .

النَّوْعُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عَايَنَ الْمَالِكَ وَلَمْ يُعَايِنْ الْمِلْكَ، مَثَلًا لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَعْلَمُ زَيْدًا وَيَسْمَعُ أَنَّ لَهُ عَقَارًا فِي الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ ذَلِكَ الْعَقَارِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ هُوَ مِلْكٌ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَصَّلْ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمَحْدُودِ وَهُوَ شَرْطٌ لِلشَّهَادَةِ.

(مُسْتَثْنًى) : إنَّ الْخُصُومَاتِ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>