الْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ بِمُعَايَنَةِ وَضْعِ الْيَدِ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ الْمِلْكِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٦٧) وَشَرْحَهَا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ بِدُونِ أَيِّ مُنَازَعَةٍ وَمُعَارَضَةٍ مِنْ أَحَدٍ فَلِلْوَاقِفِ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَالْمُطْمَئِنِّ عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ هُوَ مِلْكٌ لِذِي الْيَدِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ هُوَ مِلْكٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَتَحِلُّ لَهُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ (الشِّبْلِيُّ) ؛ لِأَنَّ وَضَاعَةَ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَلِيلٌ عَلَى التَّمَلُّكِ وَالْيَدُ هِيَ أَقْصَى وَمُنْتَهَى الدَّلَائِلِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْمِلْكِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُعْلَمُ بِالدَّلِيلِ الْحَقِيقِيِّ. مَثَلًا لَوْ رَأَى أَحَدٌ آخَرَ يَشْتَرِي مَالًا فَبِرُؤْيَتِهِ الشِّرَاءَ لَا يَكُونُ قَدْ عَلِمَ بِالدَّلِيلِ الْحَقِيقِيِّ أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ هُوَ مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِلْبَائِعِ حَتَّى لَوْ أَنَّهُ رُئِيَ اشْتِرَاءُ الْبَائِعِ لِذَلِكَ الْمَالِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ بَائِعَ الْبَائِعِ غَيْرُ مَالِكٍ لِذَلِكَ الْمَالِ وَإِنَّهُ بَاعَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ فَلِذَلِكَ وَتَسْهِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْيَدِ فَجُوِّزَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ.
سُؤَالٌ: يَكُونُ الْمَالُ بَعْضًا فِي يَدِ وَقَبْضَةِ غَيْرِ صَاحِبِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَأْجُورِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمَرْهُونِ، فَفِي هَذَا الْحَالِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِالْيَدِ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ تَجْوِيزُ الشَّهَادَةِ اسْتِنَادًا عَلَى مُعَايَنَةِ وَضْعِ الْيَدِ؟ الْجَوَابُ: أَنَّ الْأَصْلَ وُجُودُ الْأَمْلَاكِ فِي يَدِ أَصْحَابِهَا وَأَنَّ وُجُودَهَا فِي يَدِ غَيْرِ أَصْحَابِهَا هُوَ عَارِضٌ فَلِذَلِكَ تُرَجَّحُ جِهَةُ الْمِلْكِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ وَلِهَذَا التَّرْجِيحِ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ الْيَدِ لِذِي الْيَدِ بِقَضَاءِ التَّرْكِ (الزَّيْلَعِيّ) . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (١٧٨٦) .
إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى مُعَايَنَةِ الْيَدِ وُجُودُ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُطْلِقَ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ بِدُونِ أَنْ يُفَسِّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِنَاءً عَلَى مُعَايَنَةِ الْيَدِ فَإِذَا فَسَّرَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ بَيَّنَ أَنَّ شَهَادَتَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي اسْتَنْتَجَهَا مِنْ مُعَايَنَةِ الْيَدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ وَالدُّرَرُ والشُّرُنْبُلاليُّ) .
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مُطْمَئِنًّا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ هُوَ مِلْكٌ لِوَاضِعِ الْيَدِ فَلِذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ غَيْرَ مُطْمَئِنٍّ لِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى مُعَايَنَةِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ هُوَ اعْتِبَارُ الْيَقِينِ وَبِالِاطْمِئْنَانِ يَحْصُلُ نَوْعُ الْعِلْمِ أَوْ غَلَبَةُ الظَّنِّ (أَبُو السُّعُودِ وَالدُّرَرُ) . مَثَلًا لَوْ رَأَى أَحَدٌ فِي يَدِ كَنَّاسٍ جَوْهَرَةً أَوْ لُؤْلُؤَةً ذَاتَ قِيمَةٍ أَوْ رَأَى كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ أَهْلٌ لِلْكِتَابِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ الْجَوْهَرَةَ وَاللُّؤْلُؤَةَ لِلْكَنَّاسِ وَأَنَّ الْكِتَابَ لِلْجَاهِلِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي أَوَّلِ الشَّهَادَةِ وَالْبَحْرِ) .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُخْبِرَ رَجُلَانِ عَادِلَانِ هَذَا الشَّاهِدَ أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ لِوَاضِعِ الْيَدِ وَأَنَّهُ مِلْكٌ لِآخَرَ فَإِذَا أَخْبَرَا الشَّاهِدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمِلْكِيَّةِ ذِي الْيَدِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي أَوَّلِ الشَّهَادَةِ وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
أَمَّا إذَا أَخْبَرَ الشَّاهِدَ رَجُلٌ عَادِلٌ فَقَطْ فَلِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ هُوَ مِلْكٌ لِوَاضِعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute