مَقْصُورَةٌ عَلَى لَفْظِ " أَشْهَدُ " وَمُنْحَصِرَةٌ فِيهِ كَمَا أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ، وَسَبَبُ هَذَا الْقَصْرِ أَنَّ لَفْظَ شَهِدْتُ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ بِأَمْرٍ وَقَعَ فِي زَمَنٍ مَاضٍ فَإِذَا شَهِدَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَكُونُ الْمَشْهُودُ بِهِ مُخْبَرًا بِهِ فِي الْحَالِ بَلْ يُحْتَمَلُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ شَهِدَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَمَّا صِيغَةُ الْمُضَارِعِ فَحَيْثُ إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْإِخْبَارِ فِي الْحَالِ فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ، فَهِيَ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي الْحَالِ كَمَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَتَضَمَّنُ الْمُشَاهَدَةَ وَالْقَسَمَ وَالْإِخْبَارَ فِي الْحَالِ فَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّنِي أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَنَّنِي مُطَّلِعٌ عَلَى ذَلِكَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَأَنَّنِي أُخْبِرُ عَنْهُ الْآنَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْأُخْرَى (الْبَحْرُ) .
صِدْقًا: وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ الْإِخْبَارُ الْكَاذِبُ، وَالصِّدْقُ عِبَارَةٌ عَنْ مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ لِلْوَاقِعِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ إطْلَاقُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِخْبَارِ الْكَاذِبِ مَجَازًا (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَالتَّكْمِلَةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ فَرْدٌ مَجَازِيٌّ وَيَجِبُ خُرُوجُهَا مِنْ التَّعْرِيفِ وَلَا يَنْقُصُ التَّعْرِيفُ بِخُرُوجِ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ.
عَنْ يَقِينٍ وَعِيَانٍ: وَالْعِيَانُ بِالْعَيْنِ مَعْنَاهَا الْمُعَايَنَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ كَمَا عُرِّفَتْ فِي الْمَادَّةِ (١٦٨٨) يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ وَلَا يَكْفِي فِيهَا التَّخْمِينُ وَالْحُسْبَانُ أَمَّا إذَا أَقَرَّ أَحَدٌ لِآخَرَ بِإِحْدَى الذَّهَبَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي يَدِهِ الَّتِي إحْدَاهُمَا بِجُنَيْهَيْنِ وَنِصْفٍ وَالْأُخْرَى بِجُنَيْهٍ وَاحِدٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِإِحْدَاهُمَا وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِأَيِّهِمَا أَقَرَّ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ الْوَاقِعَةُ فِي حَقِّ الذَّهَبِيَّةِ ذَاتِ الْجُنَيْهِ وَيُؤْمَرُ الْمُقِرُّ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ (الْبَحْرُ) وَلَا يُقَالُ هُنَا: إنَّ الْإِخْبَارَ لَمْ يَكُنْ عَنْ يَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقِّنٌ فَيُحْكَمُ بِالْجُنَيْهِ وَلَا يُحْكَمُ بِالْجُنَيْهَيْنِ وَالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَكْثَرِ يَقِينٌ بَلْ فِيهِ شَكٌّ وَتَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ عَنْ كَوْنِ الشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَنْ يَقِينٍ وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - إذَا ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَخْبَرَ الشُّهُودُ قَائِلِينَ: لَمْ نَرَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَدَّى لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ إلَّا أَنَّنَا قَدْ عَلِمْنَا بِذَلِكَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) . كَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ قَائِلًا: أَشْهَدُ حَسَبَ ظَنِّيِّ أَوْ حَسَبَ عِلْمِي بِكَذَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ (الْبَحْرُ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي بِمَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ سَلَّمَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كِيسًا فِيهِ نُقُودٌ نَجْهَلُ مِقْدَارَهَا فَلَا تَثْبُتُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّ لِي فِي ذِمَّتِهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَدْ اسْتَوْفَيْتُ مِنْهَا مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَبَقِيَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مَطْلُوبَةٌ لِي وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَدَّى الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَأَقَامَ شُهُودًا فَيَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَدَّى لِلْمُدَّعِي الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا الَّتِي يَدَّعِيهَا الْمُدَّعِي أَيْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَدَّى الْمُدَّعِيَ الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا الْبَاقِيَةَ فَلَا تُقْبَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute