لِلشَّهَادَةِ أَحْوَالٌ خَمْسٌ. إذَا وُجِدَ الْعَمَى فِي أَيِّ حَالٍ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فَهُوَ مَانِعٌ لِلْقَضَاءِ أَيْ مَانِعٌ لِلْحُكْمِ بِمُوجِبِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ: أَوَّلًا: إنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى الَّذِي هُوَ أَعْمَى وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَوَقْتَ الْأَدَاءِ. ثَانِيًا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَالْبَصِيرِ وَقْتَ الْأَدَاءِ. ثَالِثًا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَصِيرِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَالْأَعْمَى وَقْتَ الْأَدَاءِ (الزَّيْلَعِيّ وَأَبُو السُّعُودِ) . رَابِعًا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى وَقْتَ الْقَضَاءِ فَلِذَلِكَ إذَا شَهِدَ أَحَدٌ وَهُوَ بَصِيرٌ وَقَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي طَرَأَ عَلَيْهِ عَمًى فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهَا وَالصَّحِيحُ وَالْمُفْتَى بِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُوَ هَذَا. وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا فِي سُقُوطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بِصُوَرٍ أُخْرَى فَلِذَلِكَ إذَا طَرَأَ عَلَى الشَّاهِدِ خَرَسٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ فَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا (الْبَزَّازِيَّةُ فِيمَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا وَالْخَيْرِيَّةُ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ قَبُولِهَا عَدَمُ الْقَضَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ أَهْلِيَّتِهَا شَرْطًا وَقْتَ الْقَضَاءِ لِصَيْرُورَتِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ بِخِلَافِ مَوْتِ الشَّاهِدِ وَغَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ قَدْ انْتَهَتْ وَبِالْغَيْبَةِ مَا بَطَلَتْ وَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا وَالْأَهْلِيَّةُ تَسْتَقِرُّ بِالْمَوْتِ وَلَا تَبْطُلُ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ. مَثَلًا لَوْ شَهِدَ أَحَدٌ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ وَالْبَحْرُ وَالزَّيْلَعِيّ) . أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي إذَا طَرَأَ عَلَى الشَّاهِدِ عَمًى بَعْدَ إيفَاءِ الشَّهَادَةِ فَيُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَى حَالَةٌ قَدْ طَرَأَتْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ فَلَا تَمْنَعُ الْحُكْمَ كَمَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ أَوْ غَابَ أَوْ جُنَّ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ عَمًى فَلَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ. وَقَدْ اسْتَظْهَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ هَذَا الْقَوْلَ (الشِّبْلِيُّ وَالْبَحْرُ وَتَعْلِيقَاتُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَيْهِ) .
خَامِسًا: الَّذِي تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ عَمًى ثُمَّ أَصْبَحَ بَصِيرًا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ أَنْ يُصْبِحَ بَصِيرًا إذَا كَانَ عَادِلًا.
الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ - لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ فَفِيهَا مَعْنَى إلْزَامِ الْغَيْرِ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ لَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَلَا تَكُونَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى الْغَيْرِ. أَمَّا إذَا جُنَّ الشَّاهِدُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ فَاقَ وَأَصْبَحَ تَامَّ الشُّعُورِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ، وَالْإِغْمَاءُ غَيْرُ مَانِعٍ لِلشَّهَادَةِ (الْبَحْرُ وَالزَّيْلَعِيّ) .
كَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّبِيَّيْنِ عَلَى الْوَقَائِعِ الَّتِي تَحْصُلُ فِي مَوَاضِعِ اللَّعِبِ أَمَّا إذَا تَحَمَّلَ الصَّبِيُّ الشَّهَادَةَ وَهُوَ مُمَيِّزٌ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِسَبَبِ صِبَاهُ ثُمَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ شَهِدَ فِي تِلْكَ الدَّعْوَى فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٤ ٢) ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ (الشِّبْلِيُّ) .
الْمَعْتُوهُ - لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ كَانَ فِي سِنِّ التِّسْعِينَ وَشَهَادَةِ الْمَعْتُوهِ (النَّتِيجَةُ وَالْبَهْجَةُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute