أَمَّا إذَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَى الْحَالِ بَلْ شَهِدُوا عَلَى الْمَاضِي بِقَوْلِهِمْ كَانَ مَدِينًا فَلَا تُقْبَلُ، مَثَلًا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِقَوْلِهِمْ: كَانَ لِهِنْدٍ فِي ذِمَّةِ زَوْجِهَا زَيْدٍ كَذَا دِرْهَمًا دَيْنًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّ لِهِنْدٍ فِي ذِمَّةِ زَوْجِهَا ذَلِكَ الْمِقْدَارَ مِنْ الدَّيْنِ؛ وَعِبَارَةُ مِنْ الدَّيْنِ لَيْسَتْ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالسَّبَبِ فَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى السَّبَبِ فَالْحُكْمُ هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ. مَثَلًا إذَا ادَّعَى أَحَدٌ كَذَا دِرْهَمًا دَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّ الْمُدَّعِي قَدْ أَدَّى لِلْمُتَوَفَّى ذَلِكَ الْمِقْدَارَ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَانَ كَافِيًا وَلَا حَاجَةَ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ كَانَ بَاقِيًا فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ مَمَاتِهِ.
مَثَلًا، إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي عَلَى الْوَرَثَةِ قَائِلًا: إنَّ لِي فِي ذِمَّةِ الْمُتَوَفَّى كَذَا دِرْهَمًا مِنْ جِهَةِ الْقَرْضِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّ الْمُتَوَفَّى الْمَذْكُورَ قَدْ اسْتَدَانَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْمُدَّعِي وَقَبَضَهُ فِي حُضُورِنَا تُقْبَلُ (عَبْدُ الْحَلِيمِ وَالتَّكْمِلَةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ وَأَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ) .
أَمَّا عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُتَوَفَّى حَيْثُ إنَّ الْمُتَوَفَّى غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يُجِيبَ بِنَفْسِهِ بِقَوْلِ: إنَّ الدَّائِنَ قَدْ أَبْرَأَنِي مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَوْ إنَّنِي أَوْفَيْت ذَلِكَ الدَّيْنَ كَمَا أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَسْتَطِيعُ الِادِّعَاءَ بِذَلِكَ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ مَا أَجْرَاهُ مُورِثُهُ فَتَجِبُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْجَرِّ رِعَايَةً لِلِاحْتِيَاطِ، وَيُجَابُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الرِّعَايَةَ لِلِاحْتِيَاطِ تَحْصُلُ بِتَحْلِيفِ الدَّائِنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ فِي الْمَادَّةِ (١٧٤٦) مَعَ وُجُودِ الْبَيِّنَاتِ. أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الْحَيِّ فَقَدْ بُيِّنَتْ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ.
وَيَجْرِي حُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ أَيْضًا. فَعَلَيْهِ لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ جَرَحَ فُلَانًا وَقَدْ بَقِيَ مَرِيضًا لِحِينِ وَفَاتِهِ يَكْفِي وَلَا حَاجَةَ لَأَنْ يُصَرِّحَ الشُّهُودُ بِأَنَّهُ تُوُفِّيَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِذَا ادَّعَى بِعَيْنٍ، يَعْنِي إذَا ادَّعَى أَحَدٌ بِأَنَّ لَهُ فِي يَدِ الْمُتَوَفَّى مَالًا مُعَيَّنًا فَالْحَالُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّ فِي يَدِ الْمُتَوَفَّى مَالًا مُعَيَّنًا لِلْمُدَّعِي يَكْفِي وَلَا حَاجَةَ لِلْجَرِّ أَيْ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ بَاقٍ فِي يَدِ الْمُتَوَفَّى لِحِينِ وَفَاتِهِ.
وَإِنْ قَصَدَتْ الْمَجَلَّةُ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهَا السُّؤَالُ الْآتِي: وَهُوَ أَنَّ وَضْعَ يَدِ الْمُتَوَفَّى عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقِ الْأَمَانَةِ كَالْمَالِ الْمَقْبُوضِ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمَرْهُونِ وَسَوْمِ النَّظَرِ وَسَوْمِ الشِّرَاءِ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ وَإِمَّا بِطَرِيقِ الضَّمَانِ كَالْمَالِ الْمَأْخُوذِ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ أَوْ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُوجَدُ احْتِمَالَانِ فِي الْأَمْوَالِ الْمَذْكُورَةِ: الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ - أَنْ تَظْهَرَ تِلْكَ الْأَمْوَالِ عَيْنًا فِي تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى فَفِي هَذَا الْحَالِ يَسْتَرِدُّهَا الْمُدَّعِي بِالْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَيَثْبُتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَضْعُ يَدِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهَا إلَى حِينِ وَفَاتِهِ بِظُهُورِ ذَلِكَ الْمَالِ عَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ وَيُصْبِحُ قَوْلُ الشُّهُودِ بَقِيَتْ يَدُ الْمُتَوَفَّى عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ أَوْ قَوْلُهُمْ: إنَّهَا لَمْ تَبْقَ أَوْ سُكُوتُ الشُّهُودِ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ مَضَرَّةٍ. أَمَّا فِي الِادِّعَاءِ بِالدَّيْنِ فَقَوْلُ الشُّهُودِ بِأَنَّهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ فِيهِ فَائِدَةٌ كَمَا بَيَّنَّا آنِفًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute