للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحُكْمَ بِهَا إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَلَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمُ بِهَا عَلَى الْمُقِرِّ حَتَّى إنَّهُ لَوْ ثَبَتَ دَعْوَى بِالْإِقْرَارِ وَبِالْبَيِّنَةِ يَعْنِي لَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوَّلًا دَعْوَى الْمُدَّعِي فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الشُّهُودَ وَصَارَتْ تَزْكِيَتُهُمْ سِرًّا وَعَلَنًا وَحِينَمَا أَرَادَ الْقَاضِي إصْدَارَ الْحُكْمِ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً قَاصِرَةً فَهُوَ حُجَّةٌ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ لِحُكْمِ الْقَاضِي، وَمَعَ أَنَّ الْكَذِبَ فِي الشَّهَادَةِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَادَةً فَالْكَذِبُ بِالْإِقْرَارِ مُمْتَنِعٌ عَادَةً فَكَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ الْبَيِّنَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي حَادِثَةٍ بَيِّنَةٌ وَإِقْرَارٌ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ مَا لَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ لِبِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَى الْبَيِّنَةِ فَفِي تِلْكَ الْحَالِ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ كَمَا سَيُفَصَّلُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (١٨١٧) .

وَيُفْهَمُ بِتَعْبِيرِ إذَا شَهِدَتْ الشُّهُودُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا قَالَ قَبْلَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ: إنَّ مَا يَشْهَدُهُ عَلَيَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ صِدْقٌ أَوْ إنَّ مَا سَيَشْهَدُهُ عَلَيَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ حَقٌّ فَلَا يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالْمَشْهُودِ بِهِ فَلِذَلِكَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ شَهَادَةِ أُولَئِكَ الشُّهُودِ أَنْ يُجَرِّحَ الشُّهُودَ الْمَذْكُورِينَ بِقَوْلِهِ: إنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَقْتَضِي الْأَمْرُ لِلتَّزْكِيَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاؤُهُ السَّابِقُ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ لُزُومِ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ، وَالْإِلْزَامَاتُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) قَدْ عُدَّ التَّعْدِيلُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ إقْرَارًا وَلَمْ يُعَدَّ التَّعْدِيلُ قَبْلَ الشَّهَادَةِ إقْرَارًا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا عَدَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ قَبْلَ الشَّهَادَةِ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ وَتَأْوِيلُهُمَا بِأَنْ يَقُولَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَلَكِنْ تَبَدَّلَ حَالُهُ، وَتَبَدُّلُ الْحَالِ مُمْكِنٌ أَمَّا بَعْدَ الشَّهَادَةِ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ التَّعْدِيلُ مُعْتَبَرًا (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي آدَابِ الْقَاضِي) .

وَإِنْ طَعَنَ فِي الشُّهُودِ وَقَالَ: هُمْ شُهُودُ زُورٍ أَيْ كَاذِبُونَ، أَوْ لَمْ يَطْعَنْ وَقَالَ: هُمْ عُدُولٌ وَلَكِنْ أَخْطَئُوا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ هُمْ عُدُولٌ وَلَكِنْ قَدْ نَسُوا الْوَاقِعَ أَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا بِحَقِّ شَهَادَتِهِمْ وَقَالَ: إنَّهُمْ عُدُولٌ مَعَ إنْكَارِهِ الْمُدَّعَى بِهِ، أَوْ قَالَ: إنَّهُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ صُدُورَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ مِنْ الشُّهُودِ جَائِزٌ وَلَوْ كَانُوا عُدُولًا، وَقَوْلُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَنْهُمْ: إنَّهُمْ عُدُولٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كَلَامَ الشَّاهِدِ صَوَابٌ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بَلْ يُزَكِّي الشُّهُودَ أَوَّلًا سِرًّا وَثَانِيًا عَلَنًا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامَيْنِ وَيُحَقِّقُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ وَعَدَمَهَا (أَبُو السُّعُودِ وَالزَّيْلَعِيّ وَالدُّرَرُ) وَمَحَلُّ السُّؤَالِ عِنْدَ جَهْلِ الْقَاضِي بِحَالِهِمْ فَلَوْ عَرَفَهُمْ بِفِسْقٍ أَوْ عَدَالَةٍ لَا يَسْأَلُ عَنْهُمْ (أَبُو السُّعُودِ) .

شَاهِدُ زُورٍ - لَوْ آذَى أَحَدٌ آخَرَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ مَثَلًا: أَنْتَ فَاسِقٌ أَوْ خَبِيثٌ أَوْ سَارِقٌ أَوْ مُنَافِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ زِنْدِيقٌ أَوْ مَكْمَنُ اللُّصُوصِ فَيَلْزَمُ تَعْزِيرُ وَتَأْدِيبُ الْقَائِلِ. أَمَّا إذَا آذَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَ بِقَوْلِهِ: إنَّك شَاهِدُ زُورٍ فَلَا يَجِبُ تَعْزِيرُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ قِيلَ فِي حُضُورِ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الدَّعْوَى وَعَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يُثْبِتْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ الشَّاهِدَ شَاهِدُ زُورٍ فَلَا يُعَزَّرُ (الْهِنْدِيَّةُ) ، وَإِنَّ قَوْلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِشَاهِدٍ: إنَّك شَاهِدُ زُورٍ يُسَمَّى طَعْنًا بِالشَّاهِدِ أَمَّا إذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْأَلْفَاظَ الْأُخْرَى الْوَارِدَةَ فِي الْمَجَلَّةِ فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ طَعْنًا بِالشُّهُودِ.

(أَوْ هُمْ عُدُولٌ) إلَخْ

<<  <  ج: ص:  >  >>