يَقْبِضُونَ النُّقُودَ فِي مُقَابِلِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ الْمُدَّعِي مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ أَوْ أَنَّهُمْ لَا شَهَادَةَ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، كَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الشُّهُودَ قَدْ اعْتَادُوا الزِّنَا أَوْ شُرْبَ الْخَمْرِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا جَرْحًا مُجَرَّدًا وَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْقَدْرِ الْحَدُّ الشَّرْعِيُّ.
حُكْمُ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ: إذَا أَخْبَرَ الْخَصْمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْقَاضِيَ سِرًّا بِالْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَأَثْبَتَهُ سِرًّا وَأَقَامَ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ فَيَقْبَلُ الْقَاضِي هَذَا الْإِثْبَاتَ وَيَرُدُّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ سَوَاءٌ قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَالتَّزْكِيَةِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١٧٢٥) أَوْ بَعْدَهَا. أَمَّا إذَا أَخْبَرَ عَلَنًا وَأَرَادَ إثْبَاتَ ذَلِكَ بِالشُّهُودِ فَعَلَى قَوْلٍ لَا يُقْبَلُ هَذَا الْجَرْحُ لَا قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَالتَّزْكِيَةِ وَلَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ الْمُجَرَّدَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ إذْ أَنَّ فِسْقَ الْفَاسِقِ يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ، فَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ ارْتِفَاعُ الْفِسْقِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ وَزِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ يُوجِبُ هَتْكَ الْأَسْرَارِ وَإِشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ بِسَبَبِ الْجَرْحِ وَإِقَامَةِ الشُّهُودِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا مُحَرَّمٌ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ ذَلِكَ سِرًّا لِلْقَاضِي وَأَنْ يُثْبِتَهُ وَيَرُدَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْجَرْحُ غَيْرَ مُجَرَّدٍ فَيَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالشُّهُودِ لِضَرُورَةِ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ وَيَدْخُلُ هَذَا الْجَرْحُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَيُقْبَلُ هَذَا الْجَرْحُ عَلَى قَوْلٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَالتَّزْكِيَةِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إنَّ الْجَرْحَ الْمُجَرَّدَ يُوجِبُ رَفْعَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهَا، وَوُقُوعُهُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ يَقْتَضِي رَفْعَهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ (أَبُو السُّعُودِ) وَلَا يُقْبَلُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَالتَّزْكِيَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ مَنْ شَهِدُوا عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ فُسَّاقًا بِإِظْهَارِهِمْ الْفَاحِشَةَ.
الْقِسْمُ الثَّانِي - الْجَرْحُ الْمُرَكَّبُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقَّ الْعَبْدِ.
أَمْثِلَةٌ عَلَى الْجَرْحِ الْمُتَضَمِّنِ حَقَّ اللَّهِ:
١ - أَنْ يَطْعَنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: إنَّ هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ قَدْ سَرَقُوا كَذَا دِينَارًا أَمْسِ مِنِّي.
٢ - أَنْ يَطْعَنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَائِلًا: إنَّ هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ قَدْ قَتَلُوا نَفْسًا عَمْدًا.
أَمْثِلَةٌ عَلَى الْجَرْحِ الْمُتَضَمِّنِ حَقَّ الْعَبْدِ:
١ - قَوْلُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ: إنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ قَدْ اسْتَأْجَرَ هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ لِلشَّهَادَةِ وَقَدْ دَفَعَ لَهُمْ كَذَا دِرْهَمًا مِنْ وَدِيعَتِي الَّتِي تَحْتَ يَدِهِ فَهَذِهِ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ ثُبُوتِ ذَلِكَ يُحْكَمُ بِرَدِّ الْمَالِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ أَنَّهُ أَدَّى ذَلِكَ مِنْ مَالِي فَلَا يُقْبَلُ هَذَا الْجَرْحُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُدَّعِيًا الِاسْتِئْجَارَ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَيَّةُ وِلَايَةٍ فِي تِلْكَ الدَّعْوَى (أَبُو السُّعُودِ) .
٢ - قَوْلُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ: إنَّنِي أَدَّيْتُ لِهَؤُلَاءِ الشُّهُودِ كَذَا مَبْلَغًا بَدَلَ صُلْحٍ أَيْ رِشْوَةً حَتَّى لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ وَحَيْثُ إنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَيَّ فَلْيُعِيدُوا الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ لِي. أَمَّا إذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: إنَّنِي لَمْ أُؤَدِّ بَدَلَ الصُّلْحِ ثَمَّةَ لِلشُّهُودِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ دَعْوَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ الزَّيْلَعِيّ.
وَالْجَرْحُ الْمَذْكُورُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ الْجَرْحُ الْمُرَكَّبُ فَإِذَا أَثْبَتَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْجَرْحَ الْمَذْكُورَ يَسْتَرِدُّ دَرَاهِمَهُ كَمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ تُرَدُّ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَوَادِثِ الْأُخْرَى مَا لَمْ يَظْهَرْ بَعْدَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute