للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوَابُ - لَا يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَلِيلٌ يَمْنَعُ جَوَازَ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ شَيْءٍ بِالتَّخْصِيصِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ وَقَدْ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ وَقَدْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ النَّاكِلُ مِنْ الْقَاضِي شُرَيْحُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ شُرَيْحُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَكَ بِذَلِكَ وَحَكَمَ عَلَى النَّاكِلِ، وَقَدْ حَضَرَ هَذِهِ الْمُحَاكَمَةَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ وَصَوَّبَ رَأْيَهُ؛ وَبِمَا أَنَّهُ ثَبَتَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ بَطَلَ الْقِيَاسُ (الْعِنَايَةُ) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَظْهَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعَجْزَ عَنْ إثْبَاتِ دَعْوَاهُ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَلَبِهِ إظْهَارَ الْعَجْزِ (أَوَّلًا) قَوْلُ الْمُدَّعِي: لَيْسَ لَدَيَّ شَاهِدٌ (ثَانِيًا) قَوْلُهُ: لَدَيَّ شُهُودٌ إلَّا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ عَنْ الشَّهَادَةِ (ثَالِثًا) قَوْلُهُ: إنَّ شُهُودِي هُمْ فِي مَحَلِّ سَفَرٍ بَعِيدٍ.

وَتَعْبِيرُ - إذَا أَظْهَرَ الْعَجْزَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ قَالَ: إنَّ شُهُودِي حَاضِرُونَ فَأَطْلُبُ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ أَوَّلًا ثُمَّ أُقِيمُ شُهُودِي، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ خَلَفٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَلَا يُذْهَبُ إلَى الْخَلَفِ مَا لَمْ يَحْصُلْ الْعَجْزُ عَنْ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْبَيِّنَةُ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي آدَابِ الْقَاضِي وَصُرَّةُ الْفَتَاوَى) .

بِطَلَبِهِ - بِمَا أَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَيَجِبُ فِي التَّحْلِيفِ طَلَبُ الْمُدَّعِي فَعَلَى ذَلِكَ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُحْكَمُ بِمَنْعِ الْمُعَارَضَةِ وَإِذَا نَكِلَ يُحْكَمُ بِالْمُدَّعَى بِهِ اُنْظُرْ الْمَوَادَّ (١٨١٨ و ١٨١٩ و ١٨٢٠) .

فَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمُدَّعِي فَلِذَلِكَ إذَا ظَفَرَ الْمُدَّعِي بَعْدَ الْيَمِينِ بِبَيِّنَةٍ فَلَهُ إقَامَتُهَا وَإِثْبَاتُ دَعْوَاهُ وَفِي تِلْكَ الْحَالِ يُحْكَمُ بِالْمُدَّعَى بِهِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَدْ قَبِلَ بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ شُرَيْحًا قَدْ قَالَ: الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ بِالرَّدِّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ (فَتْحُ الْقَدِيرِ) .

أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَدَى الْمُدَّعِي شُهُودٌ فَلَيْسَ لَهُ تَكْرَارُ الْمُعَارَضَةِ (صُرَّةُ الْفَتَاوَى) .

قَاعِدَتَانِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَوَجَّهُ فِيهَا الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاَلَّتِي لَا يَتَوَجَّهُ فِيهَا الْيَمِينُ عَلَيْهِ.

الْقَاعِدَةُ الْأُولَى - كُلُّ مَوْضِعٍ إذَا أَقَرَّ فِيهِ يَكُونُ مُلْزَمًا فَإِذَا أَنْكَرَ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ سِتٌّ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً وَلْنُبَادِرْ إلَى بَيَانِ بَعْضِهَا:

١ - إذَا ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ بِقَوْلِهِ: أَنْتَ وَكِيلُ فُلَانٍ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ فَلَا يَلْزَمُ تَحْلِيفُهُ حَيْثُ إنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ فَإِنْكَارُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ هُوَ عَزْلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢٢ ١٥) .

فَعَلَيْهِ إذَا كُلِّفَ الْوَكِيلُ لِحَلْفِ الْيَمِينِ وَنَكِلَ عَنْ الْحَلْفِ فَلَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ حَيْثُ إنَّ لَهُ عَزْلَ نَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ فِيهَا حَقُّ الْغَيْرِ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ بَلْ هُوَ مَجْبُورٌ عَلَى إيفَائِهَا، فَلِذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: (إنَّك وَكِيلٌ بِبَيْعِ مَالِ فُلَانٍ الْمَرْهُونِ عِنْدِي) وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهَلْ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ يَمِينٌ وَالظَّاهِرُ لُزُومُ الْيَمِينِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ تَحَرِّي مَسْأَلَتِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>