مُسْتَقِيمًا - مَأْخُوذٌ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ وَهِيَ بِمَعْنَى الِاعْتِدَالِ. يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مُسْتَقِيمًا. وَبِمَعْنًى آخَرَ أَنْ لَا يَكُونَ مُحْتَالًا مُعَانِدًا يَأْخُذُ الْهَدَايَا وَالرِّشْوَةَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ النَّاسِ الْمُخْتَلِّي الشَّرَفِ فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ النَّاسِ الْمُخْتَلِّي الشَّرَفِ أَيْ بِأَنْ كَانَ مَحْدُودًا بِحَدِّ الْقَذْفِ فَلَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَتْ فِيهِ صِفَاتٌ مُخِلَّةٌ بِالِاسْتِقَامَةِ كَأَنْ يَكُونَ مُحْتَالًا أَوْ مُعَانِدًا أَوْ مُرْتَشِيًا فَلَا يَنْبَغِي تَوْجِيهُ الْقَضَاءِ إلَيْهِ، وَإِذَا وُجِّهَ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ إسْنَادُ الْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ إلَى أَشْخَاصٍ مُتَّصِفِينَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ.
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مُعْتَدِلًا، وَالْمُعْتَدِلُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِتَوَسُّطِ الْحَالَةِ، كَتَوَسُّطِ جِسْمِ الْإِنْسَانِ بَيْنَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ وَلَيِّنًا فِي غَيْرِ ضَعْفٍ عَبُوسًا بِلَا غَضَبٍ وَمُتَوَاضِعًا مِنْ غَيْرِ وَهْمٍ كَمَا سَيُبَيَّنُ آتِيًا (الْفَتْحُ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي سَيِّئَ الْخُلُقِ، جَافَّ الطَّبْعِ، قَاسِيَ الْقَلْبِ، فَظًّا شَدِيدًا فِي كَلَامِهِ فِي صُورَةٍ فَاحِشَةٍ جَبَّارًا مُتَكَبِّرًا مُقْبِلًا بِالْغَضَبِ مُعَانِدًا. أَمِينًا: يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْثُوقِ بِهِ وَالْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِ الْمَأْمُونِ مِنْ نَقِيصَةِ الضَّرَرِ، وَالْخِيَانَةِ وَعِبَارَةُ الْأَمِينِ الْوَارِدَةِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ قَدْ فُسِّرَتْ بِمَعْنَى مُؤْتَمَنٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي بَرِيئًا مِنْ نَقِيصَةِ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَدَمُ تَوْجِيهِ الْقَضَاءِ إلَى الرَّجُلِ الْمَعْرُوفِ بِالْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ فَإِذَا وُجِّهَ إلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ أَمِينٌ ثُمَّ اتَّصَفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ فَيَجِبُ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي مُوجِبٌ لِعَزْلِهِ وَلَيْسَ بَاعِثًا عَلَى الِانْعِزَالِ (الزَّيْلَعِيّ) . مَكِينًا: بِوَزْنِ فَعِيلٍ يُطْلَقُ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلَةِ وَالْمَكَانَةِ وَعِبَارَةُ مَكِينٍ الْوَارِدَةُ فِي سُورَةِ يُوسُفَ قَدْ فُسِّرَتْ بِالْمَعْنَى ذِي الْمَكَانَةِ وَالْمَنْزِلَةِ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مَكِينًا أَيْ ذَا مَكَانَةٍ وَشَرَفٍ وَلَا يَكُونُ أَرْعَنَ أَوْ مِنْ أَسَافِلِ النَّاسِ، وَأَدَانِيهَا.
مَتِينًا: مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَتَانَةِ، وَالْمَتَانَةُ بِوَزْنِ سَلَامَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ صَلْبًا وَمُحْكَمًا. وَالْمَتِينُ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى. وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ بِمَعْنَى قَوِيٍّ شَدِيدٍ، يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي قَوِيًّا شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ وَعَبُوسًا بِلَا غَضَبٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ هُوَ دَفْعُ الْفَسَادِ، وَإِيصَالُ الْحُقُوقِ لِأَرْبَابِهَا، وَإِقَامَةُ حُقُوقِ اللَّهِ وَلِذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ، وَأَقْوَى الْوَاجِبَاتِ فَالْأَوْلَى بِالْقَضَاءِ هُوَ الْأَقْدَرُ وَالْأَوْجُهُ وَالْأَهْيَبُ وَالْأَصْبَرُ الَّذِي يَتَحَمَّلُ الْمَصَائِبَ الَّتِي تَأْتِي لَهُ مِنْ جِهَةِ النَّاسِ (الزَّيْلَعِيّ) . أَمَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي شَدِيدًا بِعُنْفٍ فَهُوَ فَظٌّ وَغَلِيظٌ مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فَظًّا وَغَلِيظًا. وَالْفَظُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ يُطْلَقُ عَلَى سَيِّئِ الْخُلُقِ، وَالْغَلِيظُ يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ الْجَافِّ الطَّبْعِ وَالْقَاسِي الْقَلْبِ (شَرْحُ الشَّمَائِلِ لِعَلِيٍّ الْقَارِيّ) . وَمُقَابِلُ الْفَظِّ وَالْغَلِيظِ أَنْ يَكُونَ ضَحُوكَ الْوَجْهِ حُلْوَ الْكَلَامِ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُعَامِلَ مَنْ يَحْضُرُ أَمَامَهُ بِالْحُسْنَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute