مُرَاعَاةِ الْمُهْدِي، وَيُؤَدِّي إلَى الْإِخْلَالِ بِالْعَدَالَةِ. وَالْحَالُ أَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (١٧٥٩) (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ بِزِيَادَةٍ) . قَاعِدَةٌ: قَبُولُ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ «الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا عَلِمَ بِأَخْذِ أَحَدِ مُوَظَّفِي بَيْتِ الْمَالِ هَدِيَّةً خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَائِلًا: لَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِ أُمِّهِ، وَأَبِيهِ هَلْ كَانَ يُهْدَى لَهُ» الْبُخَارِيُّ) كَمَا أَنَّ الْخَلِيفَةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا رَأَى أَحَدَ مَأْمُورِي بَيْتِ الْمَالِ عَائِدًا بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ سَأَلَهُ قَائِلًا: مِنْ أَيْنَ أَخَذْت هَذِهِ فَأَجَابَهُ إنَّهَا هَدَايَا فَحِينَئِذٍ تَلَا عَلَيْهِ قَوْلَ الرَّسُولِ، وَضَبَطَ الْهَدَايَا الْمَذْكُورَةَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَقَدْ قَالَ الْخَلِيفَةُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ هَدَايَا فِي عَهْدِ الرَّسُولِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَقَدْ أَصْبَحَتْ رِشْوَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَفَتْحُ الْقَدِيرِ) . وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ غَيْرِ الْأَصْدِقَاءِ وَالْمَعَارِفِ؛ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تَكُنْ إلَّا رِشْوَةً مَسْتُورَةً (جَلَاءُ الْقُلُوبِ للبركوي) إنَّ كُلَّ هَدِيَّةٍ يَأْخُذُهَا مُوَظَّفٌ فِي وَظَائِفِ الْحُكُومَةِ هِيَ بِمَثَابَةِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْقَاضِي (الْفَتْحُ) .
أَقْسَامُ الْهَدِيَّةِ: الْهَدِيَّةُ تَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْهَدِيَّةُ تَكُونُ حَلَالًا لِلْجَانِبَيْنِ وَهِيَ الْهَدَايَا الَّتِي تُهْدَى إلَى غَيْرِ الْقَاضِي وَالْمُوَظَّفُ كَهَدَايَا الْأَحِبَّاءِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي، وَالْمُوَظَّفُ فِي أَحَدِ وَظَائِفِ الْحُكُومَةِ أَنْ يَأْخُذَ هَدِيَّةً مِنْ أَحَدِ النَّاسِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْ إنْ أَخَذَ الْهَدِيَّةَ الَّتِي تَعَاطِيهَا حَلَالٌ وَمَشْرُوعٌ بَيْنَ النَّاسِ هُوَ حَرَامٌ وَرِشْوَةٌ لِلْقَاضِي وَالْمُوَظَّفُ وَالْهَدِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هِيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْهَدَايَا. الْقِسْمُ الثَّانِي: الْهَدَايَا الْمُحَرَّمَةُ عَلَى الْجَانِبَيْنِ كَالْهَدِيَّةِ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَأْثَمُ الْمُعْطِي وَالْآخِذُ وَيَكُونَانِ مُرْتَكِبَيْنِ الْحَرَامَ، وَيَجِبُ رَدُّ الْهَدِيَّةِ إلَى مُعْطِيهَا وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْهَدَايَا مُحَرَّمٌ عَلَى الْقَاضِي وَعَلَى النَّاسِ الْآخَرِينَ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْهَدِيَّةُ الَّتِي تُعْطَى مِنْ الدَّافِعِ لِخَوْفِهِ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ وَيَحِلُّ لِلدَّافِعِ إعْطَاءُ هَذِهِ الْهَدِيَّةِ وَيَحْرُمُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْغَيْرِ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ لِإِجْرَاءِ الْوَاجِبِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ. مِنْ الْخَصْمَيْنِ: إنَّ تَعْبِيرَ مِنْ الْخَصْمَيْنِ لَمْ يَكُنْ احْتِرَازِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةً مِنْ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ كَثِيرَةً أَمْ قَلِيلَةً وَحَتَّى لَوْ كَانَتْ حَقِيرَةً وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ. هَدِيَّةٌ: وَتَعْبِيرُ هَدِيَّةٍ لَيْسَتْ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ وَالِاسْتِقْرَاضِ، وَاشْتِرَاءِ الْمَالِ بِطَرِيقِ الْمُحَابَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute