وَالرِّشْوَةِ إذْ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَعِيرَ أَوْ يَسْتَقْرِضَ أَوْ يَشْتَرِيَ مَالًا مِنْ أَحَدٍ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَأَنْ يَقْبَلَ رِشْوَةً مِنْ الْمُحِقِّ أَوْ الْمُبْطِلِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. الْمُعَامَلَةُ الَّتِي تَجْرِي فِي حَقِّ الْهَدِيَّةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْقَاضِي، يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي رَدُّ الْهَدِيَّةِ الَّتِي أَخَذَهَا لِصَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ حَسَبَ حُكْمِ الْمَادَّتَيْنِ (٨٩٠ وَ ٨٩١) مِنْ الْمَجَلَّةِ إذَا كَانَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا يَجِبُ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ عَيْنًا، وَإِذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا يَجِبُ رَدُّهُ بَدَلًا، أَمَّا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ غَيْرَ مَعْلُومٍ أَوْ كَانَ مَعْلُومًا وَكَانَ رَدُّ الْهَدِيَّةِ إلَيْهِ مُتَعَذِّرًا لِوُجُودِهِ فِي مَحَلٍّ بَعِيدٍ فَيَعْتَبِرُ الْقَاضِي تِلْكَ الْهَدِيَّةَ لُقَطَةً، وَيَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي هُوَ لِكَوْنِهِ قَاضِيًا وَنَائِبًا فَالْهَدِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى هِيَ لِلْعَامَّةِ فَيَجِبُ وَضْعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ الْمُعَدِّ لِمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَيَكُونُ هَذَا الْمَالُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لُقَطَةً يُرَدُّ إلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ ظُهُورِهِ (الْفَتْحُ وَالْعِنَايَةُ) . أَمَّا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي أَنَّ رَدَّ الْهَدِيَّةِ الَّتِي أُعْطِيت لَهُ مِنْ بَعْضِ أَحِبَّائِهِ تُوجِبُ تَأَذِّيهمْ فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا بَعْدَ دَفْعِ تَمَامِ قِيمَتِهَا.
مُسْتَثْنًى: لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ الْهَدَايَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ ١ - لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةً مِنْ الشَّخْصِ الَّذِي قَلَّدَهُ الْقَضَاءَ، وَاَلَّذِي مَرْتَبَتُهُ فَوْقَ مَرْتَبَةِ الْقَاضِي. مَثَلًا: لَوْ عَيَّنَ قَاضِي وِلَايَةٍ نُوَّابًا عَنْهُ فِي دَائِرَةِ قَضَائِهِ، وَأَهْدَى الْقَاضِي لِنُوَّابِهِ هَدَايَا فَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوهَا وَلَكِنْ لَيْسَ لِلنُّوَّابِ أَنْ يُهْدُوا ذَلِكَ الْقَاضِيَ. كَذَلِكَ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الَّذِي يُعَيِّنُ قُضَاةً لِلْمُدُنِ أَنْ يُهْدِيَ الْقُضَاةَ الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ (الْأَشْبَاهُ) .
٢ - لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ هَدِيَّةً مِنْ أَقْرِبَائِهِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ قَضِيَّةٌ (الْعِنَايَةُ) ؛ لِأَنَّ رَدَّ هَدِيَّةِ ذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ يُوجِبُ قَطْعَ الرَّحِمِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَلَفْظُ الْكِتَابِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُهَادَاةَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ شَرْطٌ لِقَبُولِهَا كَالْأَجْنَبِيِّ (الْعِنَايَةُ) .
٣ - لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحِبِّهِ وَصَدِيقِهِ الَّذِي أَعْتَادَ إهْدَاءَهُ قَبْلَ نَصْبِهِ قَاضِيًا هَدِيَّتَهُ الَّتِي لَا تَكُونُ زِيَادَةً عَنْ الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ تِلْكَ الْهَدِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لِلْقَضَاءِ بَلْ قِيَامًا بِالْعَادَةِ وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهَا الرِّشْوَةُ، وَالْعَادَةُ تَثْبُتُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ (الْحَمَوِيُّ) . وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُهْدِي دَعْوَى فَإِذَا كَانَ لَهُ دَعْوَى فَالْقَاضِي يَرُدُّ كُلَّ تِلْكَ الْهَدِيَّةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ تِلْكَ الْهَدِيَّةِ الْقَضَاءُ (الزَّيْلَعِيّ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَبَعْدَ فَصْلِ دَعْوَاهُ، وَانْتِهَاءِ دَعَاوِيهِ وَخُصُومَاتِهِ لَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ مَنْ أَعْتَادَ الْإِهْدَاءَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) كَمَا أَنَّهُ إذَا أَهْدَى الشَّخْصُ الَّذِي أَعْتَادَ الْإِهْدَاءَ لِلْقَاضِي قَبْلَ تَقَلُّدِهِ الْقَضَاءَ هَدِيَّتَهُ الَّتِي أَعْتَادَهَا فَيَرُدُّ الْقَاضِي الزِّيَادَةَ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ وَاقِعَةً فِي الْمَعْنَى وَلَيْسَ فِي الْمِقْدَارِ وَكَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ رَدُّ الزِّيَادَةِ فَيَرُدُّهَا الْقَاضِي جَمِيعَهَا. مَثَلًا: إذَا أَعْتَادَ وَاحِدٌ أَنْ يُهْدِيَ الْقَاضِيَ قَبْلَ تَقَلُّدِهِ الْقَضَاءَ حُلَّةً مِنْ الْكَتَّانِ فَأَهْدَاهُ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute