الْقَضَاءِ حُلَّةً مِنْ الْحَرِيرِ فَيَرُدُّ الْقَاضِي جَمِيعَ تِلْكَ الْحُلَّةِ. لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَزَايَدَ مَالُ الْمُهْدِي فَفِي تِلْكَ الْحَالِ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَالرِّشْوَةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي يُدْفَعُ بِشَرْطِ الْإِعَانَةِ أَمَّا الْهَدِيَّةُ فَهِيَ الْمَالُ الَّذِي يُدْفَعُ بِلَا شَرْطِ الْإِعَانَةِ. وَالرِّشْوَةُ تُقْسَمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: ١ - الرِّشْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَى الْآخِذِ وَالْمُعْطِي كَالرِّشْوَةِ الَّتِي تُعْطَى لِلْقَاضِي لِيَحْكُمَ لَهُ وَيَأْثَمُ الْمُعْطِي فِي إعْطَاءِ الرِّشْوَةِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَلَوْ كَانَ مُحِقًّا فِي دَعْوَاهُ وَيَأْثَمُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ بِنَاءً عَلَى الرِّشْوَةِ الَّتِي أَخَذَهَا، وَلَوْ كَانَ الرَّاشِي مُحِقًّا فِي دَعْوَاهُ وَيَكُونُ مَلْعُونًا.
٢ - الرِّشْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَى الْآخِذِ وَغَيْرُ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى الدَّافِعِ كَمَا لَوْ دَفَعَ أَحَدٌ رِشْوَةً لِأَحَدٍ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ دَفَعَ أَحَدٌ لِآخَرَ رِشْوَةً لِتَحَقُّقِهِ طَمَعَهُ فِي مَالِهِ وَبِقَصْدِ تَخْلِيصِ بَعْضِ مَالِهِ مِنْهُ فَأَخْذُ الرِّشْوَةِ مِنْ طَرَفِ الْآخِذِ حَرَامٌ وَمَمْنُوعٌ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) وَلَكِنْ لَيْسَ مُحَرَّمًا إعْطَاؤُهَا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢١) . ٣ - لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَمْرٌ مُحِقٌّ فِيهِ عِنْدَ وَالٍ فَأَدَّى أَحَدُ الْأَشْخَاصِ غَيْرَ الْمُوَظَّفِينَ مَالًا لِيَقُومَ لَهُ بِإِتْمَامِ ذَلِكَ الْأَمْرِ فَيَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الْإِنْسَانِ لِلْآخَرِ بِدُونِ مَالٍ، وَاجِبَةً فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلُ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ بِتَغْيِيرٍ يَسِيرٍ) .
٤ - أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ، وَإِعْطَاؤُهُ حَلَالًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ رِشْوَةً بَلْ بَدَلَ إيجَارٍ وَهُوَ كَمَا ذُكِرَ فِي مِثَالِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدٌ آخَرَ لِيَقُومَ لَهُ بِشُغْلٍ مَا لِوَقْتٍ الْمَسَاءِ بِكَذَا دِرْهَمًا فَاسْتِخْدَامُ ذَلِكَ الرَّجُلِ فِي شُغْلٍ آخَرَ مُبَاحٌ (الْخَانِيَّةُ) . حُرْمَةُ الرِّشْوَةِ - وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ شَرْعًا وَحُرْمَتُهَا ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَوْله تَعَالَى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩] وَتَصْدِيرُ الْخِطَابِ بِالنِّدَاءِ وَالتَّنْبِيهِ لِلِاعْتِنَاءِ بِمَضْمُونِ مَا وَرَدَ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْبَاطِلِ الْأَسْبَابُ الْمُخَالِفَةُ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ كَالْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يُبِحْهَا كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ، وَالْقِمَارِ وَعُقُودِ الرِّبَا {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا} [النساء: ٣٠] أَيْ إفْرَاطًا فِي التَّجَاوُزِ عَنْ الْحَدِّ، وَإِتْيَانًا بِمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النساء: ٣٠] (تَفْسِيرُ أَبِي السُّعُودِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ) . وَقَدْ وَرَدَ فِي آيَةٍ جَلِيلَةٍ أُخْرَى {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: ٤٢] أَيْ الْحَرَامِ كَالرِّشْوَةِ مِنْ (سَحَتَهُ) إذَا اسْتَأْصَلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَسْحُوتُ الْبَرَكَةِ (الْقَاضِي) .
السُّنَّةُ: قَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ حَدِيثُ «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» وَالرَّاشِي: هُوَ الدَّافِعُ لِلرِّشْوَةِ. وَالْمُرْتَشِي: هُوَ الْأَخْذُ لَهَا. وَالرَّائِشُ: هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) . وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ شَرِيفٍ آخَرَ «وَقَبُولُ الْقَاضِي الرِّشْوَةَ كُفْرٌ» (الْجَامِعُ الصَّغِيرُ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.» وَاللَّعْنَةُ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الطَّرْدِ وَفِي الْعُرْفِ تُسْتَعْمَلُ فِي طَرْدِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - شَخْصًا مِنْ رَحْمَتِهِ فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute