للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلُ: الْعَدْلُ بِمَعْنَى الْمُسَاوَاةِ إذْ يُقَالُ: قَسَمُوا بَيْنَهُمْ عَلَى الْعَدْلِ أَيْ عَلَى الْمُسَاوَاةِ. وَتَفْرِيعُ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلُ هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إذْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْجُلُوسِ النَّظَرِ وَالْإِشَارَةِ وَلَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ» وَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْخَلِيفَةُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى الْقُضَاةِ فِي زَمَانِهِ أَنْ آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِك وَعَدْلِك وَمَجْلِسِك حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك (فَتْحُ الْقَدِيرِ) .

كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ يُوجِبُ كَسْرَ قَلْبِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إذْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ تَوَجَّهَ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يَتَجَرَّأَ عَلَى خَصْمِهِ وَيَكُونَ مِنْ نَتِيجَتِهِ انْكِسَارُ هِمَّةِ الْخَصْمِ وَضَيَاعُ حَقِّهِ فِي النَّتِيجَةِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَالزَّيْلَعِيُّ) .

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: ٤٤] وَفِي ذَلِكَ نَهْيٌ لِلْقُضَاةِ مِنْ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ رَبِّ الْعِبَادِ وَمِنْ مُرَاعَاةِ الْخَاطِرِ وَالْمُدَاهَنَةِ (الْقَاضِي) . بِنَاءٌ عَلَيْهِ يَلْزَمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُرَاعِيَ الْعَدْلَ وَالْمُسَاوَاةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُحَاكَمَةِ كَإِجْلَاسِ الطَّرَفَيْنِ وَإِحَالَةِ النَّظَرِ وَتَوْجِيهِ الْخِطَابِ إلَيْهِ مَا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْآخَرُ مِنْ آحَادِ النَّاسِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَبًا وَالْآخَرُ وَلَدَهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرَ السِّنِّ وَالْآخَرُ كَبِيرَهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَإِذَا رَاعَى الْقَاضِي الْمُسَاوَاةَ التَّامَّةَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَلَا يَأْمُلُ الشَّرِيفُ مِيلَ الْقَاضِي إلَى جَانِبِهِ لِشَرَفِهِ وَوَجَاهَتِهِ كَمَا أَنَّ آحَادَ النَّاسِ لَا يَخَافُ عَنْ أَنْ يَجُورَ بِهِ الْقَاضِي لِضَعْفِهِ بِالْتِزَامِ خَصْمِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَّصِلُ الْجَمِيعُ بِحُقُوقِهِمْ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي آدَابِ الْقَاضِي) . لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ أَيْ أَنْ يُبْدِيَ رَأْيًا لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَتَخَاصَمَانِ بِهَا وَلِذَلِكَ قَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (١٨١٥) مِنْ الْمَجَلَّةِ (أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُفْشِي رَأْيَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ) وَإِنَّ إرَاءَةَ الْقَاضِي الطَّرِيقَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِقَوْلِ ادَّعِ كَذَا أَوْ اُطْلُبْ كَذَا غَيْرُ جَائِزٍ وَمَكْرُوهٌ وَلَكِنْ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ فِي غَيْرِهِ لِغَيْرِ الْخَصْمَيْنِ فِي الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقَائِدِ أَوْ فِي الْمُعَامَلَاتِ أَيْ أَنَّ لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّائِلِ الْمَسْأَلَةَ الشَّرْعِيَّةَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُومَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَمَّا إذَا أَقَامَ لِكِلَيْهِمَا فَجَائِزٌ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) . لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجْلِسَ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إلَى يَمِينِهِ وَأَنْ يُجْلِسَ الْآخَرَ إلَى يَسَارِهِ لِأَنَّ جِهَةَ الْيَمِينِ تُرَجَّحُ عَلَى جِهَةِ الْيَسَارِ فَيَكُونُ قَدْ أَخَلَّ بِوَاجِبِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا الشَّرَفِ فَقَدْ خَصَّصَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جِهَةَ الْيَمِينِ لِلصَّحَابِيِّ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.

الْمَوْقِعُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الطَّرَفَانِ فِي حُضُورِ الْقَاضِي وَصُورَةِ جُلُوسِهِمَا: عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْلِسَ الطَّرَفَيْنِ أَمَامَهُ فِي مَوْقِعٍ قَرِيبٍ يَسْتَطِيعُ بِهِ سَمَاعَ صَوْتِهِمَا الْعَادِي بِدُونِ

<<  <  ج: ص:  >  >>