للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا لَأَنْ يَنْصِتَ بِاهْتِمَامٍ أَوْ يَحْتَاجَ لِرَفْعِ الصَّوْتِ وَهَذَا يُقَدَّرُ بِمَسَافَةِ ذِرَاعَيْنِ وَيَمْنَعُ الْقَاضِي الطَّرَفَيْنِ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِمَا فَلَا يُجْلِسُهُمَا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ لِلْقَاضِي مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَكُونُ فِي جُلُوسِهِمَا مُسَاوَاةٌ (الزَّيْلَعِيّ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْعِنَايَةُ وَالْفَتْحُ) . يَجِبُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ أَنْ يَجْلِسَا فِي حُضُورِ الْقَاضِي كَجُلُوسِ الْمُصَلِّي حِينَ التَّشَهُّدِ فَإِذَا أَرَادَا الْجُلُوسَ مُتَرَبِّعَيْنِ أَوْ بِصُورَةٍ أُخْرَى فَلِلْقَاضِي مَنْعُهُمَا تَعْظِيمًا لِلْقَضَاءِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا وُقُوفُ الْمُتَخَاصِمِينَ فِي حُضُورِ الْقَاضِي كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي زَمَانِنَا وَقَدْ حَدَثَ ذَلِكَ مُؤَخَّرًا لِظُهُورِ الِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّ النَّاسَ فِي أَحْوَالِهِمْ وَآدَابِهِمْ مُخْتَلَفُونَ وَقَدْ ظَهَرَ فِي هَذَا الزَّمَنِ بَعْضُ أُمُورٍ وَظَهَرَ بَعْضُ السُّفَهَاءِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُجْرِيَ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى الْحَالِ الَّذِي يَرَاهُ مُنَاسِبًا يُجْلِسُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْجُلُوسَ وَيُوقِفُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْوُقُوفَ وَيُعْطِي كُلَّ إنْسَانٍ مَا يَسْتَحِقُّ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْقَاضِي إجْلَاسَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَإِيقَافَ الْخَصْمِ الْآخَرِ. فَإِذَا سَاوَى الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَأَصْدَرَ حُكْمَهُ بِحَقٍّ فَلَا يُؤَاخَذُ إذَا مَالَ قَلْبُهُ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ (الزَّيْلَعِيّ) أَيْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. الثَّانِي: الْعَدْلُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَوْرِ وَهُوَ إجْرَاءُ الْأَمْرِ وَالْحَالِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي تُوجِبُهُ النُّفُوسُ وَالْعُقُولُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَهُوَ مَجْبُورٌ أَنْ يَحْكُمَ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ. وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَخَافَ اللَّهَ أَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ وَالْعَزِيزَ ذَا الِانْتِقَامِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِالْحَقِّ فَلَا يَتَّبِعَ هَوَاهُ أَوْ يُرَاعِيَ مَثَلًا خَاطِرَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَلْدَتِهِ أَوْ أَنْ يَخَافَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ النُّفُوذِ ذَوِي السَّيْطَرَةِ فَيَحْكُمَ بِتَأْثِيرِ ذَلِكَ.

يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَحْذَرَ لَوْمَ لَائِمٍ أَوْ طَعْنَ طَاعِنٍ وَأَنْ لَا يَرْغَبَ فِي شَيْءٍ وَأَنْ لَا يُرَاعِيَ خَاطِرَ أَحَدٍ فَلَا يَنْحَرِفُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ عَنْ إجْرَاءِ الْعَدْلِ وَأَنْ لَا يَطْرِقَ طَرِيقَ التَّحَيُّزِ وَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ مُرَجِّحًا فِي حُكْمِهِ طَاعَةَ الرَّبِّ وَطَمَعًا فِي جَزِيلِ الثَّوَابِ وَهَرَبًا مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَأَنْ يَتَّبِعَ الْحِكْمَةَ. وَبِمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ وَغَيْرَ الْمُسْلِمِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَفِي أَمْرِ الْعَدْلِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ عِنْدَ إجْرَاءِ الْمُحَاكَمَةِ لِلطَّرَفِ الْمُحِقِّ مِنْهُمَا. وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مُسْلِمٍ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِالْقِصَاصِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . احْتِرَامُ الْقَاضِي، يَجِبُ عَلَى الطَّرَفَيْنِ أَنْ يَحْتَرِمَا الْقَاضِي الْحُرْمَةَ اللَّائِقَةَ وَأَنْ يَجْتَنِبَا الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ الْمُخِلَّةَ بِالْآدَابِ فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لِلْقَاضِي (قَدْ حَكَمْت لِخَصْمِي لِأَنَّك أَخَذْت رِشْوَةً مِنْهُ) فَالْقَاضِي يُعَزِّرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>