للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي قَائِلًا: إنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَعَارَ مَالَهُ إلَى فُلَانٍ وَبِمَا أَنَّنِي قَرِيبٌ لَهُ فَلْيُعِرْنِي إيَّاهُ. فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى حَسَبَ الْمَادَّةِ (١٦٣٠) فَاسِدَةٌ وَغَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّصْحِيحِ فَيَرُدُّهَا الْقَاضِي بِدُونِ اسْتِجْوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. الِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ دَعْوَى الْمُدَّعِي مُوَافَقَةً لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَصَحِيحَةً وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَسْتَجْوِبُ الْقَاضِي ثَانِيًا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَهُ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْمُدَّعِي يَدَّعِي عَلَيْك بِهَذَا الْوَجْهِ فَمَا تَقُولُ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ لَيْسَ لِلْقَاضِي سُؤَالُ الْمُدَّعِي عَنْ أَسْبَابِ ثُبُوتِ دَعْوَاهُ قَبْلَ اسْتِجْوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي يَكُونُ الْإِقْرَارُ سَبَبًا لِلْحُكْمِ وَإِذَا أَنْكَرَ تَكُونُ الشَّهَادَةُ سَبَبًا لِلْحُكْمِ وَيُوجَدُ فَرْقٌ فِي الْحُكْمِ بِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ (الدُّرَرُ) الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ دَعْوَى الْمُدَّعِي غَيْرَ صَحِيحَةٍ يَعْنِي فَاسِدَةً إلَّا أَنَّهَا قَابِلَةً لِلتَّصْحِيحِ كَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مَجْهُولًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَقُولُ الْقَاضِي: صَحِّحْ دَعْوَاك. إذَنْ يَسْتَجْوِبُ الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْحَالِ ثَانِيًا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يُصَحِّحَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ أَوَّلًا وَلَا يَسْتَجْوِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ تَصْحِيحِ الْمُدَّعِي لَدَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ تَصْحِيحِ الدَّعْوَى (الزَّيْلَعِيّ) .

مَثَلًا: لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي قَائِلًا: قَدْ أَقْرَضْت هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِضْعَةَ دَنَانِيرَ لَا أَعْرِفُ مِقْدَارَهَا فَلْيُؤَدِّهَا لِي فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (١٧١٩) غَيْرُ صَحِيحَةٍ إلَّا أَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّصْحِيحِ فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: (كَمْ دِينَارًا أَقْرَضْت ثُمَّ عِدَّ وَبَيِّنِ ذَلِكَ وَصَحِّحْ دَعْوَاك) صُورَةُ ضَبْطِ الدَّعْوَى: يَضْبِطُ وَيُحَرِّرُ الْقَاضِي أَوْ يَسْتَكْتِبُ كَاتِبَهُ خُلَاصَةَ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَإِفَادَتَهُ وَإِجَابَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِصُورَةٍ لَا تُغَيِّرُ مَاهِيَّةَ إفَادَتِهِمَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ خُلَاصَةَ تُغَيِّرُ أَوْ تُحَرِّفُ إفَادَاتِ الطَّرَفَيْنِ بِصُورَةٍ تُغَيِّرُ الْأَحْكَامَ لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْحَالِ إذَا بُدِّلَتْ أَقْوَالُ الطَّرَفَيْنِ فِي خُصُوصِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَالْمُدَافَعَةِ وَأُفْرِغَتْ بِشَكْلٍ آخَرَ تَتَبَدَّلُ النَّتَائِجُ وَالْأَحْكَامُ وَيَنْتِجُ عَنْ ذَلِكَ ضَرَرُ الطَّرَفَيْنِ. مَثَلًا لَوْ ادَّعَى الْمُودِعُ عَلَى الْمُسْتَوْدِعِ قَائِلًا: (قَدْ أَوْدَعْتُك كَذَا وَدِيعَةً فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ وَسَلَّمْتهَا لَك فَأَطْلُبُ مِنْك أَنْ تُعِيدَهَا لِي) فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرًا دَعْوَاهُ قَائِلًا: إنَّك لَمْ تُودِعْنِي أَيَّ شَيْءٍ مُطْلَقًا فَإِذَا حَرَّرَ هَذَا الْإِنْكَارَ بِالضَّبْطِ بِأَنَّ الْمُسْتَوْدِعَ قَدْ أَنْكَرَ الْوَدِيعَةَ يَكُونُ ذَلِكَ بَاعِثًا لِضَرَرِ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي الْإِيدَاعَ وَالتَّسْلِيمَ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُسْتَوْدِعِ الْوَدِيعَةَ بِقَوْلِهِ لَمْ تُسَلِّمْنِي شَيْئًا مُطْلَقًا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ الْمُسْتَوْدِعُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ فَلِذَلِكَ إذَا لَمْ يُضْبَطْ إنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذِكْرِ اللَّفْظِ الَّذِي قَالَ وَاكْتَفَى بِأَنْ حَرَّرَ فِي الضَّبْطِ بِأَنَّ الْمُسْتَوْدِعَ قَدْ أَنْكَرَ الْوَدِيعَةَ وَنُسِيَتْ صُورَةُ إنْكَارِهِ فَلِلْمُسْتَوْدِعِ أَنْ يُثْبِتَ الرَّدَّ إذْ أَنَّ إثْبَاتَ الرَّدِّ مَقْبُولٌ حَسَبَ مَحْضَرِ الدَّعْوَى وَيَنْتُجُ عَنْ ذَلِكَ ضَرَرُ الْمُودِعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>