للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: هُوَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ عُمَرَ الْفَارُوقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ قَبِلَ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ، وَقَوْلُ الْقَاضِي شُرَيْحُ إنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ أَحَقُّ بِالرَّدِّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ (الدُّرَرُ فِي الدَّعْوَى) . الْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ وَخَلَفٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَإِذَا حَصَلَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ بَطَلَ الْخَلَفُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: إنَّ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ بَيِّنَةٍ لَدَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ بَيِّنَتَهُ غَائِبَةٌ عَنْ الْبَلْدَةِ أَوْ أَنَّهَا حَاضِرَةٌ فِي الْبَلْدَةِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ " مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ ". مَثَلًا إذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى آخَرَ بِأَنَّ الْبُسْتَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِلْكُهَا فَأَجَابَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّ الْبُسْتَانَ الْمَذْكُورَ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِلْكُهَا إلَّا أَنَّ زَوْجَهَا فُلَانًا قَدْ بَاعَهُ الْبُسْتَانَ الْمَذْكُورَ فُضُولًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَبَعْدَ ذَلِكَ قَدْ أَجَزْت الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ مَعَ وُجُودِ شَرَائِطِ الْإِجَازَةِ وَأَنْكَرَتْ الْمُدَّعِيَةُ ذَلِكَ وَعَجَزَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْإِثْبَاتِ فَحَلَّفَ الْمُدَّعِيَةَ الْيَمِينَ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ تُقْبَلُ " الْفَيْضِيَّةُ ". الْيَمِينُ كَذِبًا: قَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَلْ أَنَّهُ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي يَمِينِهِ إذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ: فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ.

لِأَنَّ نَقِيضَ الْيَمِينِ وَضِدَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِشَهَادَةٍ عَادِلَةٍ، أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَتْ حُجَّةً إلَّا أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ صِدْقَهَا مِنْ كَذِبِهَا، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَادِقًا فِي يَمِينِهِ وَإِنَّ الشُّهُودَ كَاذِبُونَ فَلِذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالطَّلَبِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَدِينًا لِلْمُدَّعِي ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ لَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ أَيْ ظَاهِرًا كَذِبُهُ فِي الْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَهَا وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ شَاهِدُ الزُّورِ وَالْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ هُوَ: أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي دَعْوَى دَيْنٍ بِلَا بَيَانِ السَّبَبِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَيَظْهَرُ كَذِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَهَا وَيَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ فِي هَذَا الْحَالِ. أَمَّا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي الدَّيْنَ مُبَيِّنًا سَبَبَهُ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَاصِلَ قَائِلًا إنَّهُ غَيْرُ مَدِينٍ لِلْمُدَّعِي وَحَلَفَ الْيَمِينَ عَلَى الْحَاصِلِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى سَبَبِ الدَّيْنِ فَلَا يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ مَعَ وُجُودِ الْقَرْضِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ اُسْتُوْفِيَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>