وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ دَابَّةً مَعَ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ وَالْمَسَافَةِ وَرَكِبَ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ عَقْدٍ.
مَثَلًا: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدٌ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَحَلٍّ وَوَصَلَ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ يَسْتَحِقُّ آجِرُهَا الْأُجْرَةَ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أَدَاؤُهَا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
وَتُسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةُ كُلُّهَا كَمَا وَرَدَ فِي مِثَالِ الْمَجَلَّةِ وَهُوَ مِثَالٌ لِلْمَأْجُورِ إذَا كَانَ دَابَّةً.
وَالْحُكْمُ فِي الْعَقَارِ وَالْأَجِيرِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا.
مِثَالٌ لِلْعَقَارِ: إذَا آجَرَ شَخْصٌ دَارِهِ آخَرَ لِمُدَّةِ سَنَةٍ وَسَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ سَنَةً فِي الدَّارِ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ أَدَاءُ بَدَلِ الْإِيجَارِ إلَى الْمُؤَجِّرِ مِثَالٌ لِلْأَجِيرِ: إذَا أَعْطَى شَخْصٌ حَمَّالًا حِمْلًا لِيُوَصِّلَهُ إلَى مَحَلٍّ وَأَوْصَلَهُ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ أَدَاءُ الْأُجْرَةِ إلَى الْأَجِيرِ.
وَهَكَذَا إذَا اُسْتُوْفِيَتْ الْمَنْفَعَةُ كُلُّهَا لَزِمَ بَدَلُ الْإِيجَارِ كُلُّهُ. كَمَا أَنَّهُ قَدْ يُسْتَوْفَى بَعْضُهَا، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ وَاقِعَةً عَلَى الْمُدَّةِ كَمَا فِي إجَارَةِ الدَّوَابِّ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ إعْطَاءُ مَا يَلْحَقُ الْمُدَّةَ الَّتِي اسْتَوْفَى مَنَافِعَهَا مِنْ الْأُجْرَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ تُعْلَمُ بِدُونِ مَشَقَّةٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ فَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ نَصِيبُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ. إلَّا أَنَّهُ فِي حِسَابِ ذَلِكَ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٧) وَقَدْ جَاءَ (فَفِي الدَّارِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّ الْيَوْمَ مَقْصُودٌ بِالِانْتِفَاعِ وَأَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ لَا يُفْضِي إلَى الضَّرَرِ وَفِي الْمَسَافَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بِحِسَابِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ إلَّا أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ لِأَنَّهُ لَا تُعْلَمُ حِصَّتُهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ وَلَا يَتَفَرَّغُ - لِغَيْرِهِ؛ أَيْ لِأَنَّهُ كُلَّمَا يَفْرُغُ مِنْ تَسْلِيمِ أُجْرَةِ سَاعَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ سَاعَةٍ أُخْرَى عَلَى التَّوَالِي فَرَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةٌ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودٌ فَيَجِبُ الْبَدَلُ بِحِصَّتِهِ) .
مِثَالُ الْعَقَارِ: لَوْ آجَرَ شَخْصٌ دَارِهِ شَهْرًا بِثَلَاثِينَ قِرْشًا وَسَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ يَوْمًا وَاحِدًا اقْتَضَى بِذَلِكَ إعْطَاءَ الْمُؤَجِّرِ قِرْشًا وَاحِدًا نَصِيبَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ إعْطَاءِ أُجْرَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِدَاعِي أَنَّهُ سَيُؤَدِّي أُجْرَةَ الشَّهْرِ كَامِلَةً فِي آخِرِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً (الزَّيْلَعِيّ) .
مِثَالٌ آخَرُ: إذَا آجَرَ شَخْصٌ عَرْصَتَهُ مِنْ آخَرَ لِمُدَّةِ شَهْرٍ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَدِّيَ لِلْمُؤَجِّرِ خَمْسَةَ قُرُوشٍ أُجْرَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُطَالِبَ بِذَلِكَ. وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْإِعْطَاءِ بِدَاعِي أَنَّهُ سَيُؤَدِّي الْأُجْرَةَ تَامَّةً فِي نِهَايَةِ الشَّهْرِ (الزَّيْلَعِيّ) .
وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ زُفَرَ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا لَمْ تُسْتَوْفَ الْمَنْفَعَةُ بِرُمَّتِهَا وَيُوَفَّى الْعَامِلُ الْعَمَلَ بِجُمْلَتِهِ (لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا وَالْمَنَافِعُ لَمْ تَصِرْ مُسَلَّمَةً إلَيْهِ فَلَا يُطَالِبُ بِبَدَلِهَا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ) .
غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ قَدْ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ بِلُزُومِ أُجْرَةِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْمَنَافِعِ.
أَمَّا فِي الْإِجَارَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ وَمَا إلَيْهَا مِنْ الْأَعْمَالِ فَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ