للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (١٦٥١) فَثُبُوتُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ اثْنَيْنِ جَائِزٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا لِمُضَاعَفَةِ الدَّيْنِ لِلدَّائِنِ الزَّيْلَعِيّ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ كَثِيرٌ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٩١٠) ضَامِنُ الْبَدَلِ الْمَغْصُوبِ وَذَلِكَ الْبَدَلُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ اسْتِيفَاءُ غَيْرِ بَدَلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ حَقَّهُ بَدَلٌ وَاحِدٌ فَقَطْ.

مَثَلًا لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ مَالًا مِنْ آخَرَ وَغَصَبَ آخَرُ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَالَ أَيْضًا فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ الثَّانِي.

وَإِذَا ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ فَلَا يَكُونُ الْغَاصِبُ الثَّانِي بَرِيئًا أَمَّا إذَا ضَمِنَ الثَّانِي أَصْبَحَ الْأَوَّلُ بَرِيئًا، الشَّلَبِيُّ. لَكِنْ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَلِلدَّائِنِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (٦٤٤) إنْ شَاءَ طَالَبَ الْأَصِيلَ وَحْدَهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْكَفِيلَ وَحْدَهُ وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْأَصِيلَ بِمِقْدَارٍ وَالْكَفِيلَ بِمِقْدَارٍ وَلَهُ فِي ذَلِكَ حَقٌّ أَمَّا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَإِذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ وَاحِدٍ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ غَاصِبِ الْغَاصِبِ أَصْبَحَ الثَّانِي بَرِيئًا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَيْ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ فَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ غَاصِبِ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ تَمْلِيكَهُ الْمَغْصُوبَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي أَوَّلِ الْكَفَالَةِ وَفَتْحٌ) .

وَيُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ تَعْرِيفِ الْمَجَلَّةِ اخْتِيَارُهَا فِي هَذَا الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا قَدْ عَرَّفَتْهُ (فِي مُطَالَبَةِ شَيْءٍ إلَخْ) (وَيَلْتَزِمُ الْمُطَالَبَةَ الَّتِي لَزِمَتْ فِي حَقِّ ذَلِكَ إلَخْ) وَقَدْ قَالَ الزَّيْلَعِيّ مُرَجِّحًا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ دَيْنَانِ وَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا أَحَدُهُمَا وَأَمَّا وُجُوبُ الْمُطَالَبَةِ بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِهِ فَمُمْكِنٌ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى الْمُوَكَّلِ وَصِحَّةُ الْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ بِجَعْلِ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ فِي حُكْمِ دَيْنَيْنِ لِضَرُورَةِ تَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ وَلَا ضَرُورَةَ قِبَلَهُ أَيْ قِبَلَ الْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ وَفِي الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ لَا يَجِبُ إلَّا دَيْنٌ وَاحِدٌ عَلَى أَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلِذَا إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ لِتَضَمُّنِهِ التَّمْلِيكَ انْتَهَى (أَبُو السُّعُودِ فِي الْكَفَالَةِ) .

وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ فِي بَيَانِهِ عَنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْعُلَمَاءِ شَيْئًا فِي ثَمَرَةِ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ. إذَا حَلَفَ الْكَفِيلُ أَنَّ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَيَحْنَثُ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي. مُقَايَسَةُ التَّعْرِيفَاتِ - قَدْ عَرَّفَتْ الْمَجَلَّةُ الْكَفَالَةَ بِ " ضَمِّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي مُطَالَبَةِ شَيْءٍ ". لَكِنْ قَدْ عَرَّفَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِ (ضَمِّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي مُطَالَبَةِ دَيْنٍ) وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ (أَنْ يَضُمَّ أَحَدٌ ذَاتَه إلَى ذَاتِ غَيْرِهِ) وَيَلْتَزِمَ أَيْضًا الْمُطَالَبَةَ بِالدَّيْنِ الَّتِي لَزِمَتْ فِي حَقِّ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ خَاصٌّ بِالْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ أَمَّا تَعْرِيفُ الْمَجَلَّةِ فَبِمَا أَنَّهُ يَشْمَلُ الْكَفَالَةَ بِالْعَيْنِ وَالْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَالْكَفَالَةَ بِالتَّسْلِيمِ فَهُوَ مُرَجَّحٌ عَلَى ذَلِكَ التَّعْرِيفِ الثَّانِي (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) . فَالْأَحْكَامُ الَّتِي يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا مِنْ التَّعْرِيفِ وَاَلَّتِي تُسْتَخْرَجُ مِنْ تَعْرِيفِ الْكَفَالَةِ: أَنَّ مَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ عِبَارَةِ (وَيَلْتَزِمَ أَيْضًا الْمُطَالَبَةَ الَّتِي لَزِمَتْ فِي حَقِّ ذَلِكَ) فِي التَّعْرِيفِ أَنَّهُ إذَا كَفَلَ أَحَدٌ آخَرَ بِدَيْنٍ فَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٦٩٠) وَذَلِكَ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ مِنْ الدَّيْنِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٦٤٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>