للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يُمْكِنَ الْكَفِيلُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ الَّذِي يُوجِبُ الرُّجُوعَ فَالْكَفَالَةُ الَّتِي تَقَعُ بِقَوْلِ الْمَدِينِ لِآخَرَ (اُكْفُلْنِي عَنْ دَيْنِي الَّذِي لِفُلَانٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا تَضَمُّنُهُ عَلَيَّ) تَكُونُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ فِي حَقِّ الطَّرَفَيْنِ. أَمَّا لَوْ قَالَ: اضْمَنْ دَيْنِي الَّذِي لِفُلَانٍ وَكَفَلَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَمْرِ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ الْأَمْرُ الرُّجُوعَ لِلْمُشَارِ إلَيْهِ مَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الرُّجُوعَ أَوْ طَلَبَ التَّبَرُّعِ فَلَا يَلْزَمُ الْأَمْرُ الْمَالَ مَا لَمْ يَكُنْ خَلِيطَ الْمَأْمُورِ.

لَكِنْ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ الثَّانِي لَوْ قَالَ: اضْمَنْ دَيْنِي الَّذِي لِفُلَانٍ فَذَلِكَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ (عَنِّي) وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ لَوْ كَانَ خَلِيطًا رَجَعَ وَهُوَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجِيرِ الشَّرِيكِ شَرِكَةَ عَنَانٍ قَالَ فِي الْأَصِيلِ: وَالْخَلِيطُ أَيْضًا الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ وَيُدَايِنُهُ وَيَضَعُ عِنْدَهُ الْمَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكُلَّ يُعْطَى لَهُمْ حُكْمُ الْخَلِيطِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، انْتَهَى (رَدُّ الْمُحْتَارِ بِتَغْيِيرٍ مَا) وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمَجَلَّةِ يُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْمُشَارُ إلَيْهِ وَيُسْتَفَادُ مَسْأَلَتَانِ بِقَوْلِ الْمَجَلَّةِ إذَا أَدَّى: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - لَوْ أَدَّى الْكَفِيلُ الدَّيْنَ بَعْدَ أَنْ أَدَّاهُ الْأَصِيلُ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِتَأْدِيَتِهِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ مَبْلَغِهِ مِنْ الدَّائِنِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٩٧) وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ كَفَالَتُهُ بِأَمْرِهِ.

كَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ يُؤَدِّي الدَّيْنَ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ مُؤَدِّيًا الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ أَدَّاهُ مِنْ قَبْلُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، وَالْأَنْقِرْوِيّ؛ وَعَلِيٌّ أَفَنْدِي) .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - لَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَطْلُبَ الدَّيْنَ مِنْ الْأَصِيلِ وَهُوَ لَمْ يُؤَدِّهِ وَإِنْ كَانَ كَفِيلًا بِالْأَمْرِ.

؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَمْلِكُ دَيْنَ الْمَكْفُولِ عَلَى أَنَّ الْأَصِيلَ بَعْدَ أَدَائِهِ وَلَيْسَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَوْ أَعْطَى الْأَصِيلُ إلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَى الْأَصِيلِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّهِ الْكَفِيلُ إلَى الطَّالِبِ بَعْدُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْفِقْهِيَّةَ هِيَ: لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ شَيْئًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ ذَلِكَ مِنْهُ مَا بَقِيَ ذَلِكَ الْغَرَضُ. وَلَمَّا كَانَ الْغَرَضُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَأْدِيَةَ الدَّيْنِ، فَقَدْ تَعَلَّقَ بِحَقِّ الْكَفِيلِ الَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ وَمَا بَقِيَ ذَلِكَ الْغَرَضُ فَلَا تُسْتَرَدُّ الدَّرَاهِمُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْأَصِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنَ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ وَكَذَا إذَا أَجَّلَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا أَيْضًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .

أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ كَفِيلًا بِأَمْرِ الْأَصِيلِ فَنَهْيُ الْأَصِيلِ عَنْ إعْطَاءِ الْمَكْفُولِ بِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ مُعْتَبَرٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يُعْطِ الْأَصِيلُ ذَلِكَ بِقَصْدِ إعْطَائِهِ إلَى الطَّالِبِ وَأَعْطَاهُ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ إعَادَتِهِ، بِقَوْلِهِ كَأَعْطَيْته إلَى الطَّالِبِ بِمُقْتَضَى كَفَالَتِي عَنْك. (الْأَنْقِرْوِيّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ الْكَفَالَةِ، وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ الْأَصِيلُ لِلْكَفِيلِ: خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْهُ إلَى الطَّالِبِ حَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُؤَدَّى مِلْكًا لِلْكَفِيلِ بَلْ هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لِلْأَصِيلِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمُؤَدَّى حَقُّ الطَّالِبِ وَهُوَ بِالِاسْتِرْدَادِ يُرِيدُ إبْطَالَهُ فَلَا يُمْكِنُ مِنْهُ مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ (التَّنْقِيحُ فِي الْكَفَالَةِ) .

وَحَقُّ الْكَفِيلِ بِالْأَمْرِ بَعْدَ التَّأْدِيَةِ هُوَ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ وَلَا دَخْلَ لَهُ بِالرَّهْنِ. مَثَلًا: لَوْ أَدَّى الْكَفِيلُ بِدَيْنِ ذِي رَهْنٍ ذَلِكَ الدَّيْنَ وَاسْتَرَدَّ مِنْ الدَّائِنِ الرَّهْنَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ عِنْدَهُ كَرَهْنٍ (الْأَنْقِرْوِيّ فِي الْحِلِّ الْمَزْبُورِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>