فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَيُطَالِبُ بِهِ الْمَكْفُولَ بِعَيْنِهِ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ مَعَ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَيْسَ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ إذَا أَذِنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَهُنَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ: إذَا كَفَلَ أَحَدٌ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ الْقِيَمِيِّ وَبَعْدَ أَنْ أَوْفَاهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْكَفَالَةِ) .
وَأَمَّا لَوْ صَالَحَ الدَّائِنَ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ الدَّيْنِ كَأَنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ مَجِيدِيٍّ.
صَالَحَ عَنْ ثَمَانِمِائَةٍ يَرْجِعُ بِبَدَلِ الصُّلْحِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمَدِينِ قَدْ بَرَأَتْ بِذَلِكَ الصُّلْحِ مِنْ الْبَاقِي وَسَقَطَ عَنْهُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ (١٥٥٢) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى بَدَلَ الصُّلْحِ حَسَبَ الْكَفَالَةِ مَلَكَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ أَيْ بَدَلَ الصُّلْحِ فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَقَطْ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا سَقَطَ كَمَا سَيُوَضَّحُ قَرِيبًا.
وَإِذَا أَعْطَى مَالًا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ بَدَلًا عَنْ بَدَلِ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ يَرْجِعُ أَيْضًا بِبَدَلِ الصُّلْحِ وَلَيْسَ بِجِنْسِ ذَلِكَ الْمَالِ الْمُعْطَى أَوْ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ مَالٍ مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ جِنْسِ بَدَلِ الصُّلْحِ مُعَاوَضَةً بَيْنَ الْكَفِيلِ وَالدَّائِنِ لَا دَخْلَ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ فِيهَا وَرِبْحُ وَخَسَارَةُ تِلْكَ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّاهَا وَالشَّخْصُ الثَّالِثُ الَّذِي هُوَ الْمَدِينُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَجْمُوعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ الدَّيْنِ يَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْبَاقِي وَإِسْقَاطَهُ فَلَا يَمْلِكُ الْكَفِيلُ الْبَاقِيَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَالْحَالُ أَنَّ حَقَّ رُجُوعِ الْكَفِيلِ نَاشِئٌ بِمَا يَمْلِكُ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مِنْ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ الدَّيْنِ بَلْ وَقَعَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ كَأَنْ تَصَالَحَ عَلَى دَيْنِ مِائَةِ مَجِيدِيٍّ بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ رَجَعَ بِمَجْمُوعِ الدَّيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْفِقْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَتُسْتَفَادُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْهُمَا.
كَذَلِكَ لِلْكَفِيلِ بِالْأَمْرِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَجْمُوعِ الدَّيْنِ إذَا تَصَالَحَ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ الدَّائِنُ الْبَاقِيَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٦٦٧) .
مَثَلًا لَوْ كَفَلَ أَحَدٌ بِأَمْرِ الْمَدِينِ بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ وَأَدَّى الْمَكْفُولُ بِهِ بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ رَجَعَ بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ كَمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ. أَيْضًا إذَا أَدَّى زُيُوفًا وَلَيْسَ بِزُيُوفٍ وَبِالْعَكْسِ لَوْ كَفَلَ شَخْصٌ بِالْمَدِينِ بِزُيُوفٍ وَأَدَّى الْمَكْفُولَ بِهِ زُيُوفًا رَجَعَ عَلَيْهِ زُيُوفٌ كَمَا لَوْ أَدَّى جِيَادًا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بِزُيُوفٍ وَلَيْسَ بِجِيَادٍ.
وَهَذَانِ الْمِثَالَانِ أَمْثِلَةٌ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
كَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ شَخْصٌ بِأَمْرِ الْمَدِينِ بِكَذَا دَرَاهِمَ فَصَالَحَ عَلَى عُرُوضٍ كَالْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَكَالْحَيَوَانَاتِ وَالْعَقَارَاتِ وَالْأَمْتِعَةِ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَعْلُومَةِ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي كَفَلَهَا. وَلَيْسَ بِبَدَلِ الْأَشْيَاءِ الْمُؤَدَّاةِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ