للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَعْضِ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ هِيَ تَأْجِيلٌ وَأَنَّ مَا نُقِلَ هُوَ الْمُطَالَبَةُ فَقَطْ وَلَيْسَ الدَّيْنُ أَوْجَبَ فِي بَعْضِ أَحْكَامٍ أُخَرَ أَنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ الدَّيْنُ وَالْمُطَالَبَةُ كِلَاهُمَا، وَسَبَبُ ذِكْرِ الْأَحْكَامِ الْمُتَشَابِهَةِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ: فِي الْحَوَالَةِ اعْتِبَارَانِ:

الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ - كَوْنُ الْحَوَالَةِ عِبَارَةً عَنْ نَقْلِ الدَّيْنِ بِحَسَبِ الصُّورَةِ وَبِحَسَبِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَكُونُ الْحَوَالَةُ إبْرَاءً وَيَكُونُ الْمُحَالُ بِهِ الدَّيْنَ وَالْمُطَالَبَةَ مَعًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ لَفْظِ الْحَوَالَةِ تُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ وَنَقْلَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تُفِيدُ النَّقْلَ وَجُعِلَتْ مُضَافَةً لِلدَّائِنِ أَيْضًا، إذْ مَعْنَى الْحَوَالَةِ لُغَةً النَّقْلُ، يُقَالُ أَحَالَ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ عَلَى آخَرَ: صَرَفَهُ عَنْهُ إلَيْهِ: فَهُوَ (مُحِيلٌ) وَالْغَرِيمُ (مُحَالٌ) وَالْغَرِيمُ الْآخَرُ (مُحَالٌ عَلَيْهِ) وَالْمَالُ (مُحَالٌ بِهِ) وَالْأَسْهُمُ (الْحَوَالَةُ) (الْفَتْحُ) بِنَاءً عَلَيْهِ قَدْ اُعْتُبِرَتْ الْحَوَالَةُ نَقْلًا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْأَدِلَّةِ الَّتِي سَرَدَهَا الْمَشَايِخُ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَيْسَ لِلْمُحَالِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُحِيلَ بِالْمُحَالِ بِهِ أَبَدًا.

الِاعْتِبَارُ الثَّانِي - كَوْنُ الْحَوَالَةِ تَأْجِيلًا بِحَسَبِ الْمَعْنَى، إذَا هَلَكَ الْمُحَالُ بِهِ عِنْدَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَثُبُوتُ حَقِّ مُرَاجَعَةِ الْمُحَالِ لَهُ لِلْمُحِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا قَدْ اُعْتُبِرَ تَأْجِيلًا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، كَمَا جَاءَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي اتَّخَذَهَا الْمَشَايِخُ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ أَقْوَالِهِمْ، نَظَرًا لِعَدَمِ جَوَازِ الْحَوَالَةِ فِي الْعَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ٦٨٧ الَّتِي خُصِّصَتْ لِلدَّيْنِ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَمَا أَنَّهَا تُفِيدُ مَعْنَى النَّقْلِ أَيْ كَمَا أَنَّهَا نَقْلٌ شَرْعِيٌّ فَالدَّيْنُ أَيْضًا بِصِفَتِهِ وَصْفًا شَرْعِيًّا جَوَّزَ تَأْثِيرَ النَّقْلِ الشَّرْعِيِّ فِيمَا ثَبَتَ شَرْعًا.

وَأَمَّا الْعَيْنُ فَحَيْثُ إنَّهَا مَحْسُوسَةٌ فَلَا تَنْتَقِلُ بِالنَّقْلِ الشَّرْعِيِّ بَلْ إنَّهَا مُحْتَاجَةٌ لِلنَّقْلِ الْحِسِّيِّ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ قَالَ رَجُلٌ أَلْفَ مَرَّةٍ: نَقَلْتُ هَذَا الْكِتَابَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَنْتَقِلُ الْكِتَابُ مِنْ مَحَلِّهِ بِهَذَا الْقَوْلِ بَلْ يَلْزَمُ لِذَلِكَ نَقْلٌ حِسِّيٌّ (الدُّرَرُ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ) .

الْأَحْكَامُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ:

الْحُكْمُ الْأَوَّلُ - يَجِبُ فِي الْحَوَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُحِيلُ مَدِينًا لِلْمُحَالِ لَهُ، فَلِذَلِكَ إذَا أَحَالَ رَجُلٌ شَخْصًا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ مَدِينٍ لَهُ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ حَوَالَةٌ بَلْ وَكَالَةٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ وَكَّلَ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ بِقَبْضِ مَطْلُوبِهِ مِنْ الشَّخْصِ الْآخَرِ (التَّنْوِيرُ رَدُّ الْمُحْتَارِ) .

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا إحَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُوَكَّلَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ قَبْضِ الثَّمَنِ هِيَ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَمَا كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ حَقَّ الْوَكِيلِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (١٤٦١) ثَبَتَ هَذَا الْحَقُّ بِالْحَوَالَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمُوَكَّلِ، رَاجِعْ الْمَادَّةَ (٣) فِيهَا أَنَّهُ نَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ دَيْنٍ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عَلَى مُوَكَّلِهِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُحِيلَ الْوَكِيلَ غَيْرُ مَدِينٍ لِمُوَكَّلِهِ الْمُحَالِ لَهُ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ حَوَالَةً (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْحَوَالَةِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>