فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَحَالَ شَخْصٌ دَايَنَهُ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ لَيْسَ مَدِينًا لَهُ بِمُوجَبِ (٦٧٦) ثُمَّ أَدَّى فُضُولِيٌّ مِنْ طَرَفِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ الْمُحَالَ بِهِ إلَى الْمُحَالِ لَهُ يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَبِالْعَكْسِ إذَا أَحَالَ شَخْصٌ دَايَنَهُ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ مَدِينٍ لَهُ بِأَلْفِ قِرْشٍ حَوَالَةً مُقَيَّدَةً، وَبَعْدَ ذَلِكَ أَدَّى فُضُولِيٌّ مِنْ طَرَفِ الْمُحِيلِ الْمُحَالَ بِهِ يَأْخُذُ الْمُحِيلُ مَطْلُوبَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى حِدَةٍ، إذْ الْفُضُولِيُّ الْمَرْقُومُ مُتَبَرِّعٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِالْمَبْلَغِ الَّذِي أَدَّاهُ، وَلَكِنْ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْفُضُولِيُّ عِنْدَ التَّأْدِيَةِ الْجِهَةَ الَّتِي تَبَرَّعَ عَلَى حِسَابِهَا وَحَصَلَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِأَنَّ ادَّعَى الْمُحِيلُ أَنَّ التَّبَرُّعَ كَانَ لِحِسَابِهِ وَادَّعَى الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْعَكْسَ أَيْ أَنَّ التَّبَرُّعَ كَانَ مِنْ طَرَفِهِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُرَاجَعُ الْفُضُولِيُّ، وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فَصْلًا عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي دَفَعَ عَنْهَا وَإِذَا تُوُفِّيَ الْفُضُولِيُّ أَوْ غَابَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَلَمْ تُمْكِنْ مُرَاجَعَتُهُ يُعَدُّ مُتَبَرِّعًا مِنْ جِهَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ بِإِقْرَارٍ حَصَلَ سَابِقًا مِنْ الْمُتَوَفَّى وَالْغَائِبِ (الْهِنْدِيَّةُ وَالْبَزَّازِيَّةُ وَالْبَحْرُ) .
وَإِذَا أَرَادَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُحَالَ بِهِ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ فَادَّعَى الْمُحِيلُ أَنَّ الْمُحَالَ بِهِ مَالُ رِشْوَةٍ أَوْ مَالُ قِمَارٍ وَأَنَّ الْحَوَالَةَ بَاطِلَةٌ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا شُهُودُهُ، بَلْ يُقَالُ لَهُ أَدِّ الْمُحَالَ بِهِ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ثُمَّ تَرَافَعْ مَعَ الْمُحَالِ لَهُ بِهَذَا الْخُصُوصِ، فَإِذَا تَرَافَعَ الْمُحِيلُ مَعَ الْمُحَالِ لَهُ وَأَثْبَتَ بِمُوَاجَهَتِهِ أَنَّ الْمُحَالَ بِهِ مَالُ قِمَارٍ مَثَلًا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَعْطَى الْمُحَالَ بِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْمُحَالِ لَهُ (الْبَزَّازِيَّةُ وَالْأَنْقِرْوِيُّ وَالْهِنْدِيَّةُ)
كَمَا أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ الْمُحَالُ لَهُ الْمُحَالَ بِهِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ قَالَ الْمُحِيلُ لِلْمُحَالِ لَهُ: (لَمْ يَكُنْ لَك دَيْنٌ عِنْدِي إنَّمَا وَكَّلْتُكَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَيْهِ رُدَّ لِي الْمُحَالَ بِهِ الَّذِي قَبَضْته) وَقَدَّمَ دَعْوَى بِذَلِكَ وَادَّعَى الْمُحَالُ لَهُ أَنَّ لَهُ بِذِمَّةِ الْمُحِيلِ دَيْنًا فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلُ الْمُحِيلِ، إذْ إقْرَارُ الْمُحِيلِ بِالْحَوَالَةِ أَوْ مُبَاشَرَتُهُ الْحَوَالَةَ لَا يُعَدُّ إقْرَارًا مِنْهُ بِالدَّيْنِ لِلْمُحَالِ لَهُ. وَالْمُحَالُ لَهُ مَجْبُورٌ عَلَى رَدِّ مَا قَبَضَهُ إلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تُسْتَعْمَلُ أَحْيَانَا فِي الْوَكَالَةِ (الْهِنْدِيَّةُ وَالدُّرَرُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) ، رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٦٩٢) .
قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ الْمُحَالَ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَلَفْظُ الْحَوَالَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوَكَالَةِ مَجَازًا لِمَا فِي التَّوْكِيلِ مِنْ نَقْلِ التَّصَرُّفِ مِنْ الْمُوَكِّلِ إلَى الْوَكِيلِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ قِيلَ: قُلْتُمْ إنَّ الْمُحِيلَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْحَوَالَةِ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ الْمُحَالُ مُسْتَحَقًّا لَمَلَكَ الْمُحِيلُ إبْطَالَهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ، قُلْنَا الْحَوَالَةُ قَدْ صُمَّتْ، وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ بِمَالٍ هُوَ دَيْنٌ عَلَى الْمُحِيلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْحَوَالَةِ بِالِاحْتِمَالِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، فِي الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحِيلُ قَالَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ: اضْمَنْ عَنِّي هَذَا الْمَالَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ " اضْمَنْ عَنِّي " لَا يَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا عَنْهُ إذَا كَانَ عَلَى الْمُحِيلِ دَيْنٌ فَكَانَ إقْرَارًا هُنَا بِالْمَالِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. إذَا أَرَادَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بَعْدَ تَأْدِيَةِ الدَّيْنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (٦٩٨) فَقَالَ الْمُحِيلُ: كَانَ لِي عِنْدَك مَطْلُوبٌ كَذَا قِرْشًا وَأَنْكَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الدَّيْنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، رَاجِعْ الْمَادَّةَ (٨) (الدُّرَرُ وَالْهِنْدِيَّةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ وَعَزْمِي زَادَهْ) وَبِمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى مُوجَبِ الْمَادَّةِ (٦٨٦) جَائِزَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute