الدَّيْنُ الْمَذْكُورُ كَمَا يَأْتِي: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ - الدَّيْنُ الْحَقِيقِيُّ، كَالْقَرْضِ، ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَبَدَلِ الْإِجَارَةِ، وَبَدَلِ الْمُتْلَفِ، وَبَدَلِ الْمَغْصُوبِ، وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ، بَدَلِ الصَّرْفِ، الدَّيْنُ الْحَقِيقِيُّ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ - الدَّيْنُ اللَّازِمُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَيَعْنِي الدَّيْنُ الْوَاجِبُ تَأْدِيَتُهُ عَلَى الْمَدِينِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ وَبَدَلِ الْإِجَارَةِ، وَمَنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْخَرَاجُ وَالْأَرْشُ فَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الدَّيْنِ وَيَصِحُّ الرَّهْنُ مُقَابِلَهُمَا، وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَوْ الْمُضَارِبُ هَلَاكَ مَالِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ وَادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ الِاسْتِهْلَاكَ وَتَصَالَحَا وَأَعْطَى رَهْنًا مُقَابِلَ بَدَلِ الصُّلْحِ يَصِحُّ.
النَّوْعُ الثَّانِي - الدَّيْنُ اللَّازِمُ ظَاهِرًا وَغَيْرُ اللَّازِمِ بَاطِنًا كَمَا لَوْ بَعْدَ أَنْ أَعْطَى شَخْصٌ رَهْنًا لِآخَرَ مُقَابِلَ مَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ تَصَادَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الدَّيْنِ رَأْسًا، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَلْفَ قِرْشٍ وَأَنْكَرَ هَذَا، وَبَعْدَ أَنْ تَصَالَحَا عَلَى أَرْبَعِ مِائَةِ قِرْشٍ رَهَنَ عِنْدَهُ مَالًا بِقِيمَةِ أَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ وَتَلِفَ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَتَصَادَقَ الطَّرَفَانِ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الدَّيْنِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَمَانُ قِيمَةِ الرَّهْنِ (خَانِيَّةٌ) . وَكَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ شَخْصٌ رَهْنًا مُقَابِلَ الْمَالِ الَّذِي بَاعَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ إذَا ضُبِطَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالِاسْتِحْقَاقِ فَبِالنَّظَرِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ فَبِتَقْدِيرِ هَلَاكِهِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا هُوَ أَدْنَى قِيمَةٍ مِنْ الرَّهْنِ وَالْمَبِيعِ بِحَيْثُ إنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ ظَاهِرًا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرَّهْنِ، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ، وَالْأَحْوَالُ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لِأَنَّهَا مَكْشُوفَةٌ لَهُ، وَلَيْسَتْ مَكْشُوفَةً لِعِبَادِهِ (زَيْلَعِيٌّ هِنْدِيَّةٌ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ لِآخَرَ لَحْمًا ظَنًّا بِأَنَّهُ لَحْمُ حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ وَبَعْدَ أَنْ أَخَذَ رَهْنًا مُقَابِلَ ثَمَنِهِ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ اللَّحْمَ جِيفَةٌ فَالرَّهْنُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ وَلَدَى التَّلَفِ يَلْزَمُ ضَمَانُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ مَثَلًا إذَا بَاعَ شَخْصٌ لِآخَرَ جِيفَةً بِمِائَةِ قِرْشٍ وَأَخَذَ مُقَابِلَهَا رَهْنًا مَالًا بِتِلْكَ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ وَتَلِفَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ يَضْمَنُ هَذَا لِلرَّاهِنِ مِائَةَ قِرْشٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ قِرْشٍ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَقَطْ، وَلَيْسَ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَإِذَا اشْتَرَى مُسْلِمٌ خَلًّا وَبَعْدَ أَنْ رَهَنَ مُقَابِلَهُ مَالًا ضَاعَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَلَّ نَبِيذٌ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ (خَانِيَّةٌ) وَالْخُلَاصَةُ وُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا كَافٍ لِصِحَّةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْوَاجِبَ ظَاهِرًا آكَدُ وَأَقْوَى مِنْ الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ فَالرَّهْنُ مُقَابِلُ الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ كَجَوَازِ الرَّهْنِ مُقَابِلُ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ ظَاهِرًا. فَهَا أَنَّ الرَّهْنَ مُقَابِلَ النَّوْعِ الثَّانِي هَذَا مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا صَحِيحٌ وَهُوَ مِثْلُ النَّوْعِ الْأَوَّلِ عِنْدَ هَلَاكِهِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ يَتَرَتَّبُ ضَمَانُهُ عَلَى مَا سَيَرِدُ فِي التَّفْصِيلَاتِ الَّتِي سَتُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ ٧٤١ إنَّمَا تَجْرِي فِي هَذَا الضَّمَانِ التَّفْصِيلَاتُ الْآتِيَةُ: مَثَلًا إذَا رَهَنَ شَخْصٌ لِآخَرَ خَاتَمًا بِقِيمَةِ أَلْفِ قِرْشٍ مُقَابِلَ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الدَّيْنِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَصَادَقَ الطَّرَفَانِ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ غَيْرُ مَوْجُودٍ رَأْسًا يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ التَّصَادُقُ حَصَلَ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute