هَلَاكِ الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ يُرَدُّ هَذَا الدَّيْنُ لِلرَّاهِنِ الَّذِي أَعْطَى الرَّهْنَ مُقَابَلَةً
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ قِرْشٍ فَلَا يُسْأَلُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الزِّيَادَةِ (خَانِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ كَانَ وَاجِبَ الْأَدَاءِ ظَاهِرًا، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ كَافٍ لِضَمَانِ الرَّهْنِ، وَإِذَا كَانَ التَّصَادُقُ الْمَذْكُورُ حَصَلَ قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّصَادُقِ وَقَبْلَ طَلَبِ الرَّاهِنِ وَمَنْعِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَفِي هَذَا اخْتَلَفَ مَشَايِخُ الْمُسْلِمِينَ، فَصَاحِبُ الْهِدَايَةُ قَالَ بِتَلَفِهِ مَضْمُونًا، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ ذَهَبَ لِتَلَفِهِ أَمَانَةً، وَتَعْلِيلُهُ أَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الدَّيْنِ يَنْتَفِي هَذَا مِنْ الْأَصْلِ وَعِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ الدَّيْنِ لَا يَبْقَى ضَمَانٌ لِلرَّهْنِ، وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: إنَّ هَذَا الرَّأْيَ هُوَ الصَّائِبُ (أَبُو السُّعُودِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ قُبَيْلَ بَابِ الْجِنَايَاتِ بَزَّازِيَّةٌ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) حَتَّى إنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الِاخْتِلَافَ بِخُصُوصِ عَدَمِ ضَمَانِ الرَّهْنِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ هَذِهِ، وَأَمَّا إذَا طَلَبَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ بَعْدَ التَّصَادُقِ وَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ رَدِّهِ مَعَ اقْتِدَارِهِ عَلَيْهِ وَتَلِفَ بَعْدَئِذٍ فَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ زَمَنِ امْتِنَاعِهِ عَنْ الرَّدِّ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٧٩٤) .
النَّوْعُ الثَّالِثُ - الدَّيْنُ الَّذِي لَا يَلْزَمُ حَالًّا وَإِنَّمَا سَبَبُ لُزُومِهِ مَوْجُودٌ وَقْتَ عَقْدِ الرَّهْنِ كَالرَّهْنِ - مُقَابِلَ الْأُجْرَةِ مَثَلًا إذَا أَجَّرَ شَخْصٌ بَيْتَهُ لِآخَرَ بِأَلْفِ قِرْشٍ سَنَوِيًّا وَهَلَكَ الرَّهْنُ الَّذِي أَعْطَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْمُؤَجِّرِ مُقَابِلَ بَدَلِ الْإِيجَارِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يَلْزَمَ الْبَدَلُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ بِوَجْهِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ هَلَكَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي هُوَ الْآجِرُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى بَدَلَ الْإِيجَارِ بِمِقْدَارِ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ يَعْنِي بِهَذِهِ الصُّورَةِ يُعْمَلُ بِحَسَبِ إفَادَةِ لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٤١) . وَأَمَّا إذَا كَانَ هَلَاكُ الرَّهْنِ حَصَلَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَيَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ رَدُّ قِيمَةِ الرَّهْنِ كَامِلَةً أَوْ بِمِقْدَارِ مَا كَانَ يَلْزَمُ عَلَى الرَّاهِنِ مِنْ الْأُجْرَةِ فِيمَا لَوْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ فَأَجَابَتْ دَارُ الْفَتْوَى الْعَالِيَةُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ رَدُّ كَامِلِ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ مُقَابِلَ دَيْنٍ لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ، وَسَبَبُ لُزُومِهِ غَيْرُ مَوْجُودٍ أَيْضًا كَالرَّهْنِ مُقَابِلَ الدَّرَكِ كَمَا لَوْ أَعْطَى رَجُلٌ لِآخَرَ مَالًا قَائِلًا لَهُ: بِعْ هَذَا الْمَالَ فَأُعْطِيَكَ أُجْرَةً وَسَمَّاهَا وَفُقِدَ الرَّهْنُ الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ مُقَابِلَ تِلْكَ الْأُجْرَةِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - لَا يَجِبُ ضَمَانُ الرَّهْنِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي - الدَّيْنُ حُكْمًا كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا الْمَقْبُوضَةِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَسَوْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ، يَعْنِي أَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي لَدَى هَلَاكِهَا عِنْدَ مَنْ وَضَعَ الْيَدَ عَلَيْهَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ هِيَ بِحُكْمِ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ أَخْذُ رَهْنٍ مُقَابِلَهَا وَيَسُوغُ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُ وَتَوْقِيفُ الرَّهْنِ لِبَيْنَمَا يَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ (لِسَانُ الْحُكَّامِ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَسَبَبُ كَوْنِ الْأَعْيَانِ الْمَذْكُورَةِ دَيْنًا هُوَ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ الْقِيمَةُ أَوْ الْبَدَلُ وَرَدُّ الْعَيْنِ (مُخَلِّصٌ) . أَمَّا الْبَدَلُ فَهُوَ دَيْنٌ وَبِنَاءً عَلَيْهِ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ مُقَابِلَهُ وَإِنْ يَكُنْ وُجُوبُ الْبَدَلِ فِيهَا بَعْدَ الْهَلَاكِ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَبِنَاءً عَلَى هَذَا وَبِالنَّظَرِ لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ الدَّيْنِ يَكُونُ رَهْنًا وَالرَّهْنُ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِهِ بِهَلَاكِهِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ (هِدَايَةٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute