حَيْثُ إنَّ الْبَيْعَ بِالْوَفَاءِ هُوَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ فَفِيهِ أَيْضًا قَبْضُ الْمَبِيعِ لَازِمٌ كَيْ يَكُونَ تَامًّا فَالْبَيْعُ بِالْوَفَاءِ لَا يَتِمُّ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١١٨) ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُسَلَّمْ الْمَالُ الَّذِي بِيعَ وَفَاءً لِلْمُشْتَرِي وَبَعْدَهُ طَلَبَ الْمُشْتَرِي تَسْلِيمَهُ لَهُ وَادَّعَى بِذَلِكَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِذَلِكَ أَيْضًا إذَا مَاتَ الْبَائِعُ وَفَاءً قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْبَيْعَ وَفَاءً هُوَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ فِي الْمَبِيعِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَيُفْهَمُ مِنْ الْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ لِفِقْرَةِ (فَقَطْ مَا لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ. إلَخْ) أَنَّهُ حِينَمَا يَقْبِضُ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ يَصِيرُ الرَّهْنُ لَازِمًا وَتَامًّا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَعِنَايَةٌ) (، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٧١٧) ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي الْقَبْضِ فِيمَا لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: إنَّك غَصَبْت مِنْ الرَّهْنِ أَوْ إنِّي أَعْطَيْتُكَ إيَّاهُ بِطَرِيقِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ لَا بِوَجْهِ الرَّهْنِ وَادَّعَى بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلُ الرَّاهِنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ الرَّاهِنِ أَمْ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ أَثْنَاءَ الِاخْتِلَافِ (الْبَاجُورِيُّ) .
أَنْوَاعُ الْقَبْضِ وَشَرَائِطُهُ - يَصِحُّ الْقَبْضُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ كَمَا يَصِحُّ بَعْدَ مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَبِإِذْنِ الرَّاهِنِ الصَّرِيحِ وَكَذَلِكَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ بِالذَّاتِ أَوْ نَائِبِهِ كَالْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ وَالْعَدْلِ أَيْضًا صَحِيحٌ. إنَّمَا يُقْتَضَى وُجُودُ الشَّرَائِطِ الْآتِي ذِكْرُهَا لِصِحَّةِ الْقَبْضِ: أَوَّلًا - أَهْلِيَّةُ الْقَابِضِ لِلْقَبْضِ وَلِهَذَا كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٠٥) قَبْضُ الْعَدْلِ غَيْرِ الْعَاقِلِ لَيْسَ صَحِيحًا وَلَا يَتِمُّ الرَّهْنُ بِهِ. ثَانِيًا - إذْنُ الرَّاهِنِ لِلْقَبْضِ وَعَلَيْهِ لَا حُكْمَ لِقَبْضِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَوَادِّ (٨٤٢ وَ ٨٤٣ وَ ٨٤٤) أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ أَيْضًا هَكَذَا (الْهِنْدِيَّةُ) . أَنْوَاعُ الْإِذْنِ - الْإِذْنُ نَوْعَانِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ - إعْطَاءُ الرَّاهِنِ الْمُرْتَهِنَ إذْنًا صَرِيحًا بِقَبْضِ الرَّهْنِ كَقَوْلِ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ: إنِّي آذَنْتُكَ بِقَبْضِ الرَّهْنِ، أَوْ اقْبِضْ الرَّهْنَ، أَوْ رَضِيتُ بِقَبْضِكَ الرَّهْنَ.
النَّوْعُ الثَّانِي - الْإِذْنُ دَلَالَةً كَسُكُوتِ الرَّاهِنِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ قَبْضَ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّهْنِ أَيْ عَدَمِ نَهْيِهِ عَنْهُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٦٧) .
الْفَرْقُ بَيْنَ نَوْعَيْ الْإِذْنِ حُكْمًا. يَفْتَرِقُ حُكْمًا الْإِذْنُ الصَّرِيحُ عَنْ الْإِذْنِ دَلَالَةً فَكَمَا أَنَّ قَبْضَ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَ فِي مَجْلِسِ عَقْدِ الرَّهْنِ بِنَاءً عَلَى الْإِذْنِ الصَّرِيحِ صَحِيحٌ فَقَبْضُهُ إيَّاهُ بَعْدَ تَفَرُّقِ الْمَجْلِسِ أَيْضًا يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا الْإِذْنُ دَلَالَةً فَيَتَقَيَّدُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ (الْهِنْدِيَّةُ) وَالْحُكْمُ فِي الْهِبَةِ أَيْضًا هَكَذَا كَمَا صُرِّحَ فِي الْمَادَّةِ (٨٤٤) . ثَالِثًا - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مُفَرَّغًا، يَعْنِي غَيْرَ مَشْغُولٍ بِالرَّاهِنِ أَوْ بِمَتَاعِهِ فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ إذَا سُلِّمَتْ الدَّارُ الْمَرْهُونَةُ مَشْغُولَةً بِالرَّاهِنِ أَوْ بِأَشْيَاءَ، أَوْ بِتَعْبِيرٍ آخَرَ إذَا سُلِّمَتْ الدَّارُ الْمَذْكُورَةُ حَالَ كَوْنِ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ مَوْجُودًا فِيهَا لَا يَصِحُّ، مَثَلًا لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ الدَّارَ الَّتِي يَسْكُنُهَا وَسَلَّمَهَا لِلْمُرْتَهِنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute