الثَّانِي فِي الْمَجَلَّةِ بِدَلَالَةِ عِبَارَةِ (يَنْعَقِدُ) فَنَظَرًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ الرَّهْنُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَنْعَقِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَمُنْعَقِدًا فَهُوَ غَيْرُ تَامٍّ، وَلَكِنْ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ أَحْكَامُ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ، هَلْ مِنْ ثَمَرَةٍ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الْمُعَامَلَاتِ؟ فَيُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِأَنَّهُ حَسَبُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الرَّهْنِ الصَّرِيحِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَبْطُلُ بِتَفَرُّقِ الْمَجْلِسِ كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي الْبَيْعِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (١٨٣) ، وَأَمَّا بِحَسَبِ الْقَوْلِ الثَّانِي فَيَجُوزُ الْقَبْضُ بِالْإِذْنِ الصَّرِيحِ حَتَّى بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَسَيُفَصَّلُ هَذَا فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ الْمَادَّةِ.
الدَّعْوَى الصَّحِيحَةُ وَغَيْرُ الصَّحِيحَةِ فِي الرَّهْنِ - حَيْثُ إنَّ الرَّهْنَ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ كَمَا سَبَقَ بِوَجْهِ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ مَتَى ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مَعَ الْقَبْضِ، يَعْنِي إذَا ادَّعَى قَائِلًا: إنِّي ارْتَهَنْتُ وَقَبَضْتُ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا إذَا أَقَامَ الدَّعْوَى عَلَى الرَّاهِنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَبْضَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ كَمَا سَيُذْكَرُ قَرِيبًا، وَنَظَرًا لِمَا تَقَدَّمَ يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ وَيَمْتَنِعَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ الْمَرْهُونِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا الرَّهْنُ تَبَرُّعٌ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ (زَيْلَعِيٌّ) وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ يَكُونُ الرَّاهِنُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ الرَّهْنِ، (وَلَيْسَ رِضَا الْمُرْتَهِنِ شَرْطًا لِصِحَّةِ هَذَا الرُّجُوعِ) ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَكْمَلَ عَقْدَ الرَّهْنِ كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي الْهِبَةِ، اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (٧٣٧ وَ ٨٤٩) . وَفِقْرَةُ (بِنَاءً عَلَيْهِ) الْوَارِدَةُ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ هِيَ تَفْرِيعٌ عَلَى فِقْرَةِ (فَقَطْ مَا لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ) . وَلِهَذِهِ الْجِهَةِ أَيْضًا كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١٨٧) إذَا بِيعَ مَالٌ بِشَرْطِ رَهْنِ الشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ مُقَابِلَ ثَمَنِهِ فَلَا يُمْكِنُ إجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى رَهْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِلْبَائِعِ، وَقَدْ أُوضِحَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٠١) الدُّرَرُ. وَلِذَلِكَ أَيْضًا إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَرْهُونَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ حُكْمٌ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِعَقْدِ الرَّهْنِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ١٦٣٤) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَأَقَامَ الشُّهُودَ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِ الرَّاهِنِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَوْ شَهِدَتْ الشُّهُودُ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الرَّهْنِ بِلَا قَبْضٍ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ (تَنْقِيحٌ) ، وَفِي تِلْكَ الْحَالِ تَكُونُ الشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ وَرَدَتْ عَلَى الدَّعْوَى غَيْرِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَيْهِ مَنْ شَهِدَ عَلَى رَهِينَةِ دَارٍ بِقَوْلِهِ: إنَّ هَذِهِ الدَّارَ رُهِنَ لِعُمَرَ لَا يَكْفِي، إذْ يَلْزَمُ ذِكْرُ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ (أَبُو السُّعُودِ) ، وَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْضًا إذَا رَهَنَ شَخْصٌ دَارِهِ لِآخَرَ وَسَلَّمَ الْمُرْتَهِنَ سَنَدَ الدَّارِ وَحُجَّتَهَا فَقَطْ لَا يَكُونُ الرَّهْنُ تَامًّا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ سَنَدِ الدَّارِ وَحُجَّتِهَا لِلْمُرْتَهِنِ لَا يَقُومُ مَقَامَ تَسْلِيمِ ذَلِكَ الْمِلْكِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
لَاحِقَةٌ - فِي أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ وَفَاءً شَرْطٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute