للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَصِحُّ اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُسَلِّمِ، كَمَا لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَوْ لِنَائِبِهِ: كُنْ وَكِيلًا مِنْ طَرَفِي لِقَبْضِ الرَّهْنِ، فَقَبَضَهُ فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِذَلِكَ مَقْبُوضًا (الْبَاجُورِيُّ) ، وَقَدْ ثَبَتَ لُزُومُ الْقَبْضِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - الرَّاهِنُ، وَهُوَ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا مِنْ الْمُرْتَهِنِ مُقَابِلَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ يَكُنْ أَخَذَ قَرْضًا فَهُوَ مَجْبُورٌ عَلَى أَدَائِهِ فَالرَّهْنُ يَكُونُ عَقْدَ تَبَرُّعٍ، وَالتَّبَرُّعُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (٥٧) يَتِمُّ بِالْقَبْضِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي - الرَّهْنُ حُكْمًا هُوَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ، وَالِاسْتِيفَاءُ حُكْمًا كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَحَيْثُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِيفَاءُ حَقِيقَةً بِدُونِ الْقَبْضِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٩٧) فَإِذَا قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدِينِ: (أَلْقِ فِي الْمَاءِ الْعَشْرَ ذَهَبَاتٍ الَّتِي لِي بِذِمَّتِك) ، وَفَعَلَ الْمَدِينُ ذَلِكَ لَا يَبْرَأُ مِنْ دَيْنِهِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ - إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ إجْبَارُ الدَّائِنِ عَلَى تَعْجِيلِ إيفَاءِ الدَّيْنِ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِبَقَاءِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ، وَالْبَقَاءُ أَيْضًا يَظْهَرُ لِلْوُجُودِ بِقَبْضِ الرَّهْنِ (كِفَايَةٌ) حَتَّى إنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ بَقَاءُ الْمَرْهُونِ فِي يَدِ الرَّاهِنِ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ وَلَوْ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ، وَأَمَّا إذَا وَرَدَ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ تَمَامِ الرَّهْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ قَبَضَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْمُفْتَرَقَاتِ) ، اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٧٠٥) .

الْخُلَاصَةُ - الْأَحْكَامُ الَّتِي سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَابِ الرَّابِعِ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَرْهُونِ مَا لَمْ يَقْبِضْ. وَلِذَلِكَ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بِيَدِ الرَّاهِنِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْضًا يُمْكِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى التَّبَرُّعِ.

وَفِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُ الرَّاهِنَ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ عَنْهُ

؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مُشَابِهٌ لِلْكَفَالَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَبْضُ الْوَثِيقَةِ. (شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَالِكٍ) جَاءَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ قَيْدُ (بِحَقِّ الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧١٦) ، لَا يَكُونُ الرَّهْنُ لَازِمًا بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ قَبَضَ الْمَرْهُونَ كَمَا سَيُعْلَمُ مِنْ تَقْسِيمِ الْعُقُودِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (١١٤) . بَيَانُ الِاخْتِلَافِ - يُوجَدُ فِي الرَّهْنِ شَيْئَانِ:

الْأَوَّلُ - انْعِقَادُ الرَّهْنِ.

الثَّانِي - لُزُومُ الرَّهْنِ، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ: إتْمَامُ الرَّهْنِ.

فَالْأَوَّلُ يَحْصُلُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَالثَّانِي يَحْصُلُ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالْقَبْضِ. وَفِي رَأْيِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ، يَعْنِي بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فَالرَّهْنُ لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا دَخْلَ لِلْقَبْضِ فِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ، وَإِنْ يَكُنْ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ رَجَحَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ فَقَدْ قُبِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>