عِنْدَكَ هَذَا الشَّيْءَ مُقَابِلَ دَيْنِي أَوْ كَلَامًا آخَرَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَأَنْ يَقُولَ الْمُرْتَهِنُ أَيْضًا قَوْلًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِثْلَ قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ، وَلَيْسَ ذِكْرُ لَفْظِ الرَّهْنِ شَرْطًا، مَثَلًا لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ شَيْئًا وَأَعْطَى الْبَائِعَ مَالًا قَائِلًا لَهُ: احْفَظْهُ عِنْدَك لِبَيْنَمَا أَنْقُدُكَ الثَّمَنَ يَكُونُ قَدْ رَهَنَ الْمَالَ، وَقَوْلُ الرَّاهِنِ أَيْضًا فَلْيَكُنْ هَذَا الشَّيْءُ رَهْنًا عِنْدَكَ مُقَابِلَ دَيْنِي الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَذَا ذَهَبَاتٍ، يَعْنِي عِنْدَ وُقُوعِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِأَلْفَاظٍ كَهَذِهِ يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ بِمُوجَبِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِأَلْفَاظٍ لَا تَدُلُّ عَلَى الرَّهْنِ، مَثَلًا لَوْ كَانَ شَخْصٌ مَدِينًا لِآخَرَ بِمِائَةِ مَجِيدِي وَأَعْطَاهُ إيَّاهَا قَائِلًا: أَشْهَدُ أَنَّكَ قَبَضْتَهَا وَأَمْسَكْتَهَا مُقَابِلَ حَقِّكَ فَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ لَا تَكُونُ رَهْنًا بَلْ إيفَاءَ دَيْنٍ (الْخَانِيَّةُ) ، وَكَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَجَلَّةِ أَنَّ الرَّهْنَ يَنْعَقِدُ بِإِيجَابِ الرَّاهِنِ وَقَبُولِ الْمُرْتَهِنِ يَنْعَقِدُ أَيْضًا بِإِيجَابِ الْمُرْتَهِنِ وَقَبُولِ الرَّاهِنِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْحَوَالَةِ وَلِذَلِكَ إيرَادُ الْإِيجَابِ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لَيْسَ أَمْرًا احْتِرَازِيًّا، وَذِكْرُ لَفْظِ الرَّهْنِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ يَكْفِي لِذَلِكَ قَوْلٌ يُفِيدُ الرَّهْنَ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٣) وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يُمْكِنُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِدُونِ أَنْ تُلْفَظَ كَلِمَةُ الرَّهْنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ، وَإِذَا اشْتَرَى أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ آخَرَ وَأَعْطَاهُ مَالًا قَائِلًا لَهُ: أَبْقِ هَذَا عِنْدَكَ لِبَيْنَمَا أُعْطِيكَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ، وَأَبْقَى الْبَائِعُ ذَلِكَ الْمَالَ عِنْدَهُ يَكُونُ الْمُشْتَرِي رَهَنَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ عِنْدَ الْبَائِعِ مُقَابِلَ الْمَبْلَغِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ مَقْصِدَ الرَّاهِنِ الرَّهْنُ بِتَجْدِيدِهِ إمْسَاكَ الرَّهْنِ لِحِينِ تَأْدِيَةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ حَيْثُ إنَّ الْإِمْسَاكَ لِحِينِ إعْطَاءِ الْمَبْلَغِ هُوَ مَعْنَى الرَّهْنِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٧٢٩) وَنَظَرًا لِلْمَادَّةِ (٣) فَالِاعْتِبَارُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: أَبْقِ مُقَابِلَ الدَّرَاهِمِ، وَلَا يَكُونُ تَرْكُ الْمَالِ بِصِفَةِ وَدِيعَةٍ، مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمَدِينُ لِدَائِنِهِ: خُذْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ وَخَمْسِينَ مَجِيدِيًّا وَأَبْقِهَا عِنْدَكَ لِبَيْنَمَا أُعْطِيكَ الْعَشْرَ ذَهَبَاتٍ الْبَاقِيَةَ تَكُونُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ رَهْنًا، وَلَيْسَتْ إيفَاءَ دَيْنٍ (الْخَانِيَّةُ) .
هَذَا مِثَالٌ لِكَوْنِ ذِكْرِ لَفْظِ الرَّهْنِ لَيْسَ شَرْطًا وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فَبِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ بَلْ تَنْعَقِدُ وَدِيعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَالْإِيدَاعَ، وَحَيْثُ إنَّ الْإِيدَاعَ أَقَلُّ مِنْ الرَّهْنِ اقْتَضَى ثُبُوتَ الْإِيدَاعِ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ صِرْفَةٌ وَأَمَّا الرَّهْنُ فَمَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ، وَلَكِنْ إذَا قَالَ الرَّاهِنُ: أَمْسِكْهُ مُقَابِلَ دَيْنِكَ أَوْ مَالِكَ يَكُونُ عَنْ جِهَةِ الرَّهْنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْهِنْدِيَّةُ) وَبِهَذِهِ الصُّورَةِ بِالِاتِّفَاقِ رَهْنًا (الْخَانِيَّةُ) . وَإِذَا كَانَ رَهْنُ الْمَبِيعِ مُقَابِلَ ثَمَنِهِ جَائِزًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَلِهَذَا قَوْلُ الْمَجَلَّةِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَأَعْطَى الْبَائِعَ مَالًا، يَعْنِي أَنَّ إيرَادَ الْمَرْهُونِ مُسْتَقِلًّا عَنْ الْمَبِيعِ لَيْسَ بِقَصْدِ الْإِشْعَارِ بِوُجُوبِ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَالِ غَيْرَ الشَّيْءِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَالِحٌ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا مُقَابِلَ ثَمَنِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ (الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالدُّرَرُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute