وَإِذَا أَعْطَى الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ قَائِلًا لَهُ: أَبْقِ هَذَا عِنْدَك إلَى أَنْ أَنْقُدُكَ ثَمَنَهُ فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ الرَّاهِنَ رَهْنُ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ بِمُوجَبِ الْمَادَّةِ (٢٩٣) ، وَحَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ مَضْمُونًا بِالرَّهْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الضَّمَانَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مُحَالٌ.
وَبَيَانُ اخْتِلَافِ الضَّمَانَيْنِ أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثَابِتٌ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَمَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْقِيمَةِ وَالدَّيْنِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمَبِيعُ مَضْمُونٌ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَأَبُو السُّعُودِ) وَعَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبِالْأَقَلِّ مِنْ الْقِيمَةِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا أَعْطَى الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ مَالًا مَعَ الْمَبِيعِ كَيْ يَكُونَ رَهْنًا مُقَابِلَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ حَالَ كَوْنِهِ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ بَعْدُ، فَيَكُونُ الْمَالُ فَقَطْ مَرْهُونًا بِحِصَّتِهِ وَالْمَبِيعُ لَا يَكُونُ مَرْهُونًا (الْهِنْدِيَّةُ قَبْلَ الْفَصْلِ الْخَامِسِ) . وَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْضًا إذَا رَهَنَ شَخْصٌ الْمَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهَلَكَ الْمَالُ بِيَدِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ شَيْءٌ، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ لَا يُمْكِنُ الْبَائِعَ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَالِ أَدْنَى مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٢٩٣) وَشَرْحَهَا، وَلِذَلِكَ أَيْضًا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يَفْسُدُ بِالْمُكْثِ كَاللَّحْمِ وَالْحَلِيبِ وَرَهَنَهَا مُقَابِلَ ثَمَنِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَذَهَبَ فِي حَالٍ سَبِيلِهِ، يَعْنِي إذَا أَهْمَلَ أَخْذَ الْمَبِيعِ وَإِعْطَاءَ ثَمَنِهِ فَيُمْكِنُ الْبَائِعُ أَنْ يَبِيعَهُ لِخِلَافِهِ، وَبِإِمْكَانِ الْآخَرِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ أَيْضًا مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ فَلَا يُطَالِبُ كُلٌّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي الْآخَرَ بِشَيْءٍ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ فِيمَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ) . إنَّ انْعِقَادَ الرَّهْنِ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيِّ فَقَطْ فَيَنْعَقِدُ أَيْضًا بِالتَّعَاطِي وَالْكِتَابَةِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٦٩) كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (١٧٥ وَ ٤٣٧) . وَعَدَمُ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَجَلَّةِ نَاشِئٌ عَنْ أَنَّهَا تَكُونُ مَعْلُومَةً قِيَاسًا لِلْمَوَادِّ الْمَذْكُورَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي أَوَّلِ الرَّهْنِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute