جَعَلَهُ فِي إحْدَاهُنَّ بِلَا شَكٍّ وَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَتَيْنِ مَعًا، وَمَنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِ أُولَاهُنَّ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُولَاهُنَّ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ، وَلَا شَكَّ نَدْرِي أَنَّ تَعْفِيرَهُ بِالتُّرَابِ فِي أُولَاهُنَّ تَطْهِيرٌ ثَامِنٌ إلَى السَّبْعِ غَسَلَاتٍ، وَأَنَّ تِلْكَ الْغَسْلَةَ سَابِقَةٌ لِسَائِرِهِنَّ إذَا جُمِعْنَ، وَبِهَذَا تَصِحُّ الطَّاعَةُ لِجَمِيعِ أَلْفَاظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَأْثُورَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَلَا يُجْزِئُ بَدَلَ التُّرَابِ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ تَعَدٍّ لَحَدِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الْإِنَاءُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِاجْتِنَابِهِ، وَلَا شَرِيعَةَ إلَّا مَا أَخْبَرَنَا بِهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِمَّا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَالْمَاءُ حَلَالٌ شُرْبُهُ طَاهِرٌ، فَلَا يَحْرُمُ إلَّا بِأَمْرٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَأَمَّا مَا أَكَلَ فِيهِ الْكَلْبُ أَوْ وَقَعَ فِيهِ أَوْ دَخَلَ فِيهِ بَعْضُ أَعْضَائِهِ فَلَا غَسْلَ فِي ذَلِكَ وَلَا هَرْقَ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ طَاهِرٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ - إنْ كَانَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ - فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّنْجِيسِ إلَّا بِنَصٍّ لَا بِدَعْوَى.
وَأَمَّا وُجُوبُ إزَالَةِ لُعَابِ الْكَلْبِ وَعَرَقِهِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَالْكَلْبُ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، فَهُوَ حَرَامٌ، وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ بِلَا شَكٍّ، وَلُعَابُهُ وَعَرَقُهُ بَعْضُهُ فَهُمَا حَرَامٌ، وَالْحَرَامُ فُرِضَ إزَالَتُهُ وَاجْتِنَابُهُ، وَلَمْ يُجْزِ أَنْ يُزَالَ مِنْ الثَّوْبِ إلَّا بِالْمَاءِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤] وَقَدْ قُلْنَا إنَّ التَّطْهِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَاءِ، وَبِالتُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي غَسْلِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعًا أَبُو هُرَيْرَةَ، كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ ثنا أَبِي ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ أَوْ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَالْهِرُّ مَرَّةً.
وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ أَهْرِقْهُ وَاغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ " إنْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ عَشَرَةُ أَقْسَاطِ لَبَنٍ يُهْرَقُ كُلُّهُ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، فَإِنْ وَلَغَ فِي مَاءٍ فِي بُقْعَةٍ صَغِيرَةٍ مِقْدَارِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْسَانٌ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَيُتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَيُغْسَلُ لُعَابُ الْكَلْبِ مِنْ الثَّوْبِ وَمِنْ الصَّيْدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute