للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ إكْرَاهَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ سَوَاءً عَلَى النِّكَاحِ، احْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِنْكَاحِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضًا.

وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ: لِسَيِّدِهِمَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَيُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا.

وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يُكْرِهُونَ الْمَمْلُوكَ عَلَى النِّكَاحِ وَيُدْخِلُونَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ الْبَيْتَ، وَيُغْلِقُونَ عَلَيْهِمَا الْبَابَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْله تَعَالَى: فِي إنْكَاحِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ فَإِنَّهُ عَطَفَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَمْرِهِ بِالنِّكَاحِ الْأَيَامَى مِنَّا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِنَّ رِضَاهُنَّ، فَلْيَلْزَمْهُمْ أَنْ يُجِيزُوا بِذَلِكَ إنْكَاحَ الْحُرَّةِ الثَّيِّبِ وَإِنْ كَرِهَتْ إنْ طَرَدُوا أَصْلَهُمْ الْفَاسِدَ. فَإِنْ شَغَبُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: ٢٥] وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُنَّ؟ قُلْنَا: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُنَّ، وَكُلُّ هَذَا قَدْ بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ لَا تُنْكَحَ بِكْرٌ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلَا ثَيِّبٌ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَمْ يَخُصَّ حُرَّةً مِنْ مَمْلُوكَةٍ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤] ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] وَ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] فَهَذَا هُوَ الْبَيَانُ الَّذِي لَا يُحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ، لَا كَالْآرَاءِ الْمُتَخَاذِلَةِ وَالدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ.

وَأَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ: فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِسَيِّدِهِمَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَيُفَرِّقَ فَقَوْلٌ صَحِيحٌ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَهَبَهَا لَهُ وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَنْتَزِعَهَا مِنْهُ كَمَا يَنْتَزِعُ سَائِرَ مَالِهِ وَكَسْبِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ: فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[مَسْأَلَة إذْن الْمَرْأَة فِي النِّكَاح]

١٨٣٩ - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ ثَيِّبٍ فَإِذْنُهَا فِي نِكَاحِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِكَلَامِهَا بِمَا يُعْرَفُ بِهِ رِضَاهَا، وَكُلُّ بِكْرٍ فَلَا يَكُونُ إذْنُهَا فِي نِكَاحِهَا إلَّا بِسُكُوتِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ وَلَزِمَهَا النِّكَاحُ، فَإِنْ تَكَلَّمَتْ بِالرِّضَا أَوْ بِالْمَنْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَذَا نِكَاحٌ عَلَيْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>