أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَبَاهُ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْأَمْوَالِ دُونَ الْمَقْسُومِ مِنْهَا؟ وَقَوْلُهُمْ هَاهُنَا عَارٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا وَظُلْمٌ لَا خَفَاءَ بِهِ.
وَأَمَّا مَا اُبْتِيعَ لِلتِّجَارَةِ وَالْبَيْعِ فَهُوَ شَرْطٌ قَدْ أَبَاحَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إلَّا بِرِضًا مِنْهُمَا جَمِيعًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمِنْ عَجَائِبِ الْأَقْوَالِ: أَنَّ الَّذِينَ يُجْبِرُونَ الشَّرِيكَ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ عَلَى تَقَاوُمِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لِأَحَدِهِمَا كُلَّهُ لَا يَرَوْنَ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ فِيمَا عَدَا الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ، فَأَوْجَبُوا الْبَيْعَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبْطَلُوهُ حَيْثُ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا بَيْعٌ وَبَيْعُ.
[مَسْأَلَةٌ كُلُّ شَيْءٍ يُقْسَمُ]
١٢٥٣ - مَسْأَلَةٌ:
وَيُقْسَمُ كُلُّ شَيْءٍ سَوَاءٌ أَرْضًا كَانَ، أَوْ دَارًا صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ ثَوْبًا، أَوْ سَيْفًا، أَوْ لُؤْلُؤَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَالٌ مُشْتَرَكٌ سِوَاهُ حَاشَا الرَّأْسَ الْوَاحِدَ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالْمُصْحَفَ فَلَا يُقْسَمُ أَصْلًا، لَكِنْ يَكُونُ بَيْنَهُمْ يُؤَاجِرُونَهُ وَيَقْتَسِمُونَ أُجْرَتَهُ، أَوْ يَخْدُمَهُمْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: ٧] إلَى قَوْله تَعَالَى: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: ٧] .
وَقَالَ قَوْمٌ: إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ وَاحِدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِمَا يَقَعُ لَهُ وَانْتَفَعَ سَائِرُهُمْ: لَمْ يَقْسِمْ - وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ انْتَفَعَ بِمَا يَقَعُ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ الْآخَرُونَ - وَقَالَ قَوْمٌ: إنْ اسْتَضَرَّ أَحَدُهُمْ بِالْقِسْمَةِ فِي انْحِطَاطِ قِيمَةِ نَصِيبِهِ لَمْ يُقْسَمْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ، لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ -: أَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ الْقِسْمَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ لَا يَنْتَفِعُ بِمَا يَقَعُ لَهُ فَقَدْ عَجَّلَ الضَّرَرَ لِغَيْرِهِ مِنْهُمْ بِمَنْعِهِ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ ضَرَرَ زَيْدٍ مُبَاحًا خَوْفَ أَنْ يَسْتَضِرَّ عَمْرٌو؟ وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ رَاعَى انْحِطَاطَ قِيمَةِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ بِالْقِسْمَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute