للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ ظَهَرَ أَيْضًا فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ» فَصَحَّ أَنْ لَا طَهَارَةَ تَصِحُّ بِتُرَابٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إلَّا لِمَنْ أَجَازَهُ لَهُ النَّصُّ مِنْ الْمَرِيضِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ حَرَجٌ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ بُطْلَانُ طَهَارَةِ الْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي صَلَاةٍ كَانَ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَصَحَّ قَوْلُ سُفْيَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ.

إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ تَنَاقَضَ هَهُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَرَى لِمَنْ أَحْدَثَ مَغْلُوبًا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ، وَهَذَا أَحْدَثَ مَغْلُوبًا، فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَرَى السَّلَامَ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْسَ فَرْضًا: وَأَنَّ مَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَأَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَقَدْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَأَى هَهُنَا أَنَّهُ وَإِنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تِلْكَ قَدْ بَطَلَتْ وَكَذَلِكَ طَهَارَتُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيُعِيدَهَا أَبَدًا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ وَالْبُعْدِ عَنْ النُّصُوصِ وَالْقِيَاسِ وَسَدَادِ الرَّأْيِ، وَمَا عَلِمْنَا هَذِهِ التَّفَارِيقَ لِأَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ.

[مَسْأَلَةٌ الْمَرِيضُ الْمُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ]

٢٣٥ - مَسْأَلَةٌ:

وَالْمَرِيضُ الْمُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّ صِحَّتَهُ لَا تَنْقُضُ طَهَارَتَهُ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي أَتْبَعْنَا إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، فَهُوَ الَّذِي تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ بِوُجُودِ الْمَاءِ، وَأَمَّا مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَإِنَّ وُجُودَ الْمَاءِ قَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ، بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، فَإِذْ ذَاكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصِّحَّةَ لَيْسَتْ حَدَثًا أَصْلًا، إذْ لَمْ يَأْتِ بِأَنَّهَا حَدَثٌ لَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا الْمَرِيضَ عَلَى الْمُسَافِرِ، قُلْنَا الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ وَهُوَ قِيَاسُ وَاجِدِ الْمَاءِ عَلَى عَادِمِهِ، وَقِيَاسُ مَرِيضٍ عَلَى صَحِيحٍ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ أَحْكَامَهُمَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا تَخْتَلِفُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ الْمُتَيَمِّمُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ]

٢٣٦ - مَسْأَلَةٌ:

وَالْمُتَيَمِّمُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْفَرْضَ وَالنَّوَافِلَ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ تَيَمُّمُهُ بِحَدَثٍ أَوْ بِوُجُودِ الْمَاءِ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَلَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ بِالتَّيَمُّمِ إلَّا مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ فَقَطْ.

وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُد.

<<  <  ج: ص:  >  >>