وَأَنَّ الْحَجَّ الْمَبْرُورَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الذُّنُوبِ، وَمِنْ صِفَةِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِسْلَامِ الْحَسَنِ، وَالْهِجْرَةِ الصَّادِقَةِ - وَالْحَجِّ الْمَبْرُورِ أَنْ يَتُوبَ صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالِ عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ سَلَفَ قَبْلَهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى نا سُفْيَانُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشُ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَحُكْمُ الْإِحْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَسْلَفَهُ أَيَّامَ كُفْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ أَصَرَّ عَلَى مَعَاصِيهِ: فَمَا أَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ بَلْ أَسَاءَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَهْجُرْ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَلَيْسَ تَامَّ الْهِجْرَةِ - وَكُلُّ حَجٍّ أَصَرَّ صَاحِبُهُ عَلَى الْمَعَاصِي فِيهِ فَلَمْ يُوفِ حَقَّهُ مِنْ الْبِرِّ، فَلَيْسَ مَبْرُورًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة الِاسْتِتَابَةُ فِي الْحُدُودِ]
٢١٧٥ - مَسْأَلَةٌ: الِاسْتِتَابَةُ فِي الْحُدُودِ وَتَرْكُ سَجْنِهِ؟ حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَضَرْت عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ جَلَدَ إنْسَانًا الْحَدَّ فِي فِرْيَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ: إنَّ مِنْ الْأَمْرِ أَنْ يُسْتَتَابَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِلْمَجْلُودِ: تُبْ، فَحَسِبْته أَنَّهُ قَالَ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ كُلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، أَوْ زَنَى، أَوْ افْتَرَى، أَوْ شَرِبَ، أَوْ سَرَقَ، أَوْ حَارَبَ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: سُنَّةُ الْحَدِّ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ إذَا فَرَغَ مِنْ جَلْدِهِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إنْ قَالَ: قَدْ تُبْت - وَهُوَ غَيْرُ رَضِيٍّ - لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهَذَا نَقُولُ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ فَرْضٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute