قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَوَاءٌ أَمَرَ عَبْدَهُ، أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ بَالِغًا، أَوْ مَجْنُونًا - إذَا كَانَ مُتَوَلِّيَ الْقَتْلِ، أَوْ الْجِنَايَةِ بِالْقَطْعِ، أَوْ الْكَسْرِ، أَوْ الضَّرْبِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْآمِرِ - وَلَوْلَا أَمْرُهُ لَمْ يَفْعَلْهُ - فَالْآمِرُ، وَالْمُبَاشِرُ: فَاعِلَانِ لِكُلِّ ذَلِكَ جَمِيعًا.
وَأَمَّا إذَا أَمَرَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ طَاعَةً لِلْآمِرِ: فَالْمُبَاشِرُ وَحْدَهُ: الْقَاتِلُ، وَالْقَاطِعُ وَالْكَاسِرُ، وَالْفَاقِئُ، وَالْجَانِي: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَحْدَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَاهُنَا اسْمُ - قَاتِلٍ، وَلَا قَاطِعٍ، وَلَا جَالِدٍ، وَلَا كَاسِرٍ وَلَا فَاقِئٍ - وَإِنَّمَا الْأَحْكَامُ لِلْأَسْمَاءِ فَقَطْ.
أَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَالْآمِرُ - هُوَ الْقَاتِلُ، الْقَاطِعُ، الْجَالِدُ، الْكَاسِرُ، الْفَاقِئُ: فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ.
وَأَمَّا مَنْ أَمَرَ عَبْدًا لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ حُرًّا، وَكَانُوا جُهَّالًا لَا يَدْرُونَ تَحْرِيمَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ: فَالْآمِرُ وَحْدَهُ هُوَ الْقَاتِلُ الْجَانِي فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَاهِلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرِهِ عَبْدَهُ، وَبَيْنَ أَمْرِهِ غَيْرَهُ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرِ السُّلْطَانِ وَبَيْنَ أَمْرِ غَيْرِ السُّلْطَانِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا افْتَرَضَ طَاعَةَ السُّلْطَانِ وَطَاعَاتِ السَّادَاتِ فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَحَرَّمَ طَاعَةَ الْمَخْلُوقِينَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ، فَإِذَا أُمِرَ أَحَدُكُمْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» .
وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ أَمَرَ آخَرَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مُطِيعًا لِلْأَمْرِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْ نَفْسَهُ فَالْآمِرُ قَاتِلٌ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ كَمَا قُلْنَا فِي قَتْلِ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ - فَلَوْ أَمَرَهُ فَقَالَ: اُقْتُلْنِي، فَقَتَلَهُ مُؤْتَمِرًا لِأَمْرِهِ فَهُوَ أَيْضًا قَاتِلٌ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ الْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ]
٢٠٩٧ - مَسْأَلَةٌ: هَلْ عَلَى الْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ قَوَدٌ؟ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ الْوَاقِفُ وَالْمُصَوِّبُ وَالدَّالُّ، وَالْمُتَّبِعُ وَالْبَاغِي؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute