للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ عَقْدِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَ إنْفَاذَ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَلَا نَصَّ، وَلَا سُنَّةَ فِي جَوَازِ إنْكَاحِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ - وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الصَّغِيرَيْنِ أَبَوَاهُمَا فَهُمَا بِالْخِيَارِ إذَا كَبَرَا، وَلَا يَتَوَارَثَانِ إنْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ.

وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الصَّبِيَّيْنِ أَبَوَاهُمَا فَمَاتَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَا فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، قَالَ مَعْمَرٌ: سَوَاءٌ أَنْكَحَهُمَا أَبَوَاهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة إذَا أَسْلَمَتْ الْبِكْرُ وَلَمْ يُسْلِمْ أَبُوهَا أَوْ كَانَ مَجْنُونًا]

: ١٨٢٨ - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْبِكْرُ وَلَمْ يُسْلِمْ أَبُوهَا، أَوْ كَانَ مَجْنُونًا فَهِيَ فِي حُكْمِ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ الْوِلَايَةَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: ١٣] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١] .

وَصَحَّ فِي الْمَجْنُونِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» فَذَكَرَ مِنْهُمْ «الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» .

وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِاسْتِئْمَارِهَا وَلَا بِإِنْكَاحِهَا، وَإِنَّمَا خَاطَبَ عَزَّ وَجَلَّ أُولِي الْأَلْبَابِ، فَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ بِإِذْنِ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهَا أَوْ السُّلْطَانِ.

وَكَذَلِكَ الَّتِي أَسْلَمَ أَبُوهَا وَلَمْ تُسْلِمْ هِيَ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ عَقَلَ: رَجَعَتْ إلَى حُكْمِ ذَاتِ الْأَبِ لِدُخُولِهِ فِي الْأَمْرِ بِإِنْكَاحِهَا وَاسْتِئْذَانِهَا.

وَالْأَمَةُ الصَّغِيرَةُ - بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا - لَيْسَ لَهَا أَبٌ فَلَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا إنْكَاحُهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْأَبِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِأَبِيهَا وَإِنْ كَانَ حُرًّا إنْكَاحُهَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، لِأَنَّهُ بِذَلِكَ كَاسِبٌ عَلَى سَيِّدِهَا، إذْ هِيَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] .

وَالْبُرْهَانُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إنْكَاحُ أَمَتِهِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>