ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ مَنْ سَلَفَ مِمَّنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ مَأْجُورٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ السَّرِقَةَ هِيَ الِاخْتِفَاءُ بِأَخْذِ الشَّيْءِ لَيْسَ لَهُ، وَأَنَّ السَّارِقَ هُوَ الْمُخْتَفِي بِأَخْذِ مَا لَيْسَ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْحِرْزِ فِيمَا اقْتَضَاهُ الِاسْمُ، فَمِنْ أَقْحَمَ فِي ذَلِكَ اشْتِرَاطَ الْحِرْزِ فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي اللُّغَةِ، وَادَّعَى فِي الشَّرْعِ مَا لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى وُجُودِهِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابَةِ: فَقَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ اشْتِرَاطُ الْحِرْزِ أَصْلًا وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْ بَعْضِهِمْ " حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ " مِنْ الْبَيْتِ " وَلَيْسَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْحِرْزِ - مَعَ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ - فَلَاحَ أَنَّ قَوْلَنَا قَوْلٌ قَدْ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَنُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
[مَسَائِلُ مِنْ بَابِ السَّرِقَة]
٢٢٦٨ - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ الْغَنِيمَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: إنَّ رَجُلًا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَكَتَبَ فِيهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ فَكَتَبَ عُمَرُ إلَيْهِ: أَنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا.
وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ مِنْ الْخُمْسِ مِغْفَرًا فَلَمْ يَقْطَعْهُ عَلِيٌّ، وَقَالَ: إنْ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا.
وَبِهِ - يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا - وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا احْتَجَّ مِنْ لَمْ يَرَ الْقَطْعَ فِي ذَلِكَ بِحُجَّتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: أَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا مُشَاعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute