مِنْ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَمَا مَنَعُوا مِنْهُ فِيهَا، قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُ وَنَذْكُرُ فِي مَكَان آخَرَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا]
١٤٤٨ - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَالثَّمَنُ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ إنْ قَبَضَهُ -: وَلَا يُصَحِّحُهُ طُولُ الْأَزْمَانِ، وَلَا تَغَيُّرُ الْأَسْوَاقِ، وَلَا فَسَادُ السِّلْعَةِ، وَلَا ذَهَابُهَا، وَلَا مَوْتُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَصْلًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا، وَقَالَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ: مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا، وَأَجَازَ عِتْقَهُ فِيهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي بَعْضِ ذَلِكَ: كَمَا قُلْنَا، وَقَالَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ: إنَّ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بُيُوعًا تُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ، أَوْ تَتَغَيَّرَ الْأَسْوَاقُ: فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ قَوْلَانِ لَا خَفَاءَ بِفَسَادِهِمَا عَلَى مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ، أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا - فَكَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَمَا عَلِمَ أَحَدٌ قَطُّ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مِلْكًا فَاسِدًا، إنَّمَا هُوَ مِلْكٌ فَهُوَ صَحِيحٌ، أَوْ لَا مِلْكٌ فَلَيْسَ صَحِيحًا، وَمَا عَدَا هَذَا فَلَا يُعْقَلُ.
وَإِذْ أَقَرُّوا أَنَّ الْمِلْكَ فَاسِدٌ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥] فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِإِنْفَاذِ مَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: ٨١] .
فَمَنْ أَجَازَ شَيْئًا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُصْلِحُهُ فَقَدْ عَارَضَ اللَّهَ تَعَالَى فِي حُكْمِهِ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا احْتِجَاجُ فَاسِدِ الدِّينِ، وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ نَسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَنْفَذَ الْبَاطِلَ، وَأَجَازَ الْفَاسِدَ - وَاَللَّهِ مَا تَقِرُّ عَلَى هَذَا نَفْسُ مُسْلِمٍ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَلِّطَ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى