للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ تَخْصِيصِهِ بَعْضَ الْمِيَاهِ الرَّوَاكِدِ دُونَ بَعْضٍ - خَطَأٌ وَكَانَ مَا وَافَقَ فِيهِ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَوَابًا، وَقَالَهُ أَيْضًا الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، إلَّا أَنَّهُ خَصَّ بِهِ مَا دُونَ الْكُرِّ مِنْ الْمَاءِ، فَكَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ خَطَأً.

وَقَالَ بِهِ أَيْضًا الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ خَصَّ بِهِ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ، فَكَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ خَطَأً، وَعَمَّ بِهِ كُلَّ غُسْلٍ، فَكَانَ هَذَا الَّذِي زَادَهُ خَطَأٌ، وَرَأَى الْمَاءَ لَا يَفْسُدُ، فَأَصَابَ، وَكَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ.

وَأَجَازَهُ إذَا وَقَعَ، فَكَانَ هَذَا مِنْهُ خَطَأٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُجْزِئَ غُسْلٌ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ غُسْلٍ أَمَرَ بِهِ، أَبَى اللَّهُ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ وَأَنْ يُجْزِئَ الْحَرَامُ مَكَانَ الْفَرْضِ.

وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

قَالَ عَلِيٌّ: فَلَوْ غَسَلَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لَمْ يَجْزِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ شَعْرَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ بَعْضَ الْغُسْلِ غُسْلٌ، وَلَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ يَغْتَسِلَ غَيْرُ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] فَصَحَّ أَنَّ غَيْرَ الْجُنُبِ يُجْزِيهِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِ وَاجِبٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ أَجْنَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]

١٩٥ - مَسْأَلَةٌ:

وَمَنْ أَجْنَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ - فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا غُسْلَانِ غُسْلٌ يَنْوِي بِهِ الْجَنَابَةَ وَلَا بُدَّ، وَغُسْلٌ آخَرُ يَنْوِي بِهِ الْجُمُعَةَ وَلَا بُدَّ، فَلَوْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَيْضًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا غُسْلٌ ثَالِثٌ يَنْوِي بِهِ وَلَا بُدَّ، فَلَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ أَنْ وُطِئَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ عَجَّلَتْ الْغُسْلَ لِلْجَنَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ أَخَّرَتْهُ حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ لَمْ يُجْزِهَا إلَّا غُسْلَانِ، غُسْلٌ تَنْوِي بِهِ الْجَنَابَةَ وَغُسْلٌ آخَرُ تَنْوِي بِهِ الْحَيْضَ، فَلَوْ صَادَفَتْ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَغَسَّلَتْ مَيِّتًا لَمْ يُجْزِهَا إلَّا أَرْبَعَةُ أَغْسَالٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ نَوَى بِغُسْلٍ وَاحِدٍ غُسْلَيْنِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَأَكْثَرَ، لَمْ يُجْزِهِ وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ غُسْلَيْنِ، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَغْسِلُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مَرَّتَيْنِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ غُسْلَانِ - أَوْ ثَلَاثًا - إنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَغْسَالٍ - أَوْ أَرْبَعًا - إنْ كَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَغْسَالٍ - وَنَوَى فِي كُلِّ غَسْلَةٍ الْوَجْهَ الَّذِي غَسَلَهُ لَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، فَلَوْ أَرَادَ مَنْ ذَكَرْنَا: الْوُضُوءَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْمَجِيءُ بِالْوُضُوءِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ مُفْرَدًا عَنْ كُلِّ غُسْلٍ ذَكَرْنَا، حَاشَا

<<  <  ج: ص:  >  >>