غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَحْدَهُ فَقَطْ فَإِنَّهُ إنْ نَوَى بِغَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ مَعًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إلَّا الْغُسْلَ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ لِلْوُضُوءِ وَلَوْ نَوَاهُ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ لِلْغُسْلِ، وَلَا يُجْزِئُ لِلْوُضُوءِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا مُرَتَّبًا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِكُلٍّ غُسْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَغْسَالِ، فَإِذْ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُجْزِئَ عَمَلُ وَاحِدٍ عَنْ عَمَلَيْنِ أَوْ عَنْ أَكْثَرَ، وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ إنْ نَوَى أَحَدَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ - بِشَهَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّادِقَةِ - الَّذِي نَوَاهُ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ مَا لَمْ يَنْوِهِ، فَإِنْ نَوَى بِعَمَلِهِ ذَلِكَ غُسْلَيْنِ فَصَاعِدًا فَقَدْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغُسْلٍ تَامٍّ لِكُلِّ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَالْغُسْلُ لَا يَنْقَسِمُ، فَبَطَلَ عَمَلُهُ كُلُّهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَأَمَّا غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ أَجْزَأَ فِيهِمَا عَمَلٌ وَاحِدٌ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لَهُمَا جَمِيعًا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ» .
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute