للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ نَدْبٌ، فَقَدْ قَالَ: الْبَاطِلَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] فَيَقُولُ قَائِلٌ: لَا أَكْتُبُ إنْ شِئْت.

وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: ٢٨٢] فَيَقُولُ قَائِلٌ: لَا أُشْهِدُ - وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ، أَوْ بِضَرُورَةِ جَسٍّ.

وَكُلُّ هَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَطَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَنَتَقَصَّى ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[مَسْأَلَةٌ لَقِيَ غَرِيمَهُ فِي بَلَدٍ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَدْ بَلَغَ أَجَلَهُ]

١٢٠٠ - مَسْأَلَةٌ:

وَمَنْ لَقِيَ غَرِيمَهُ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبٍ - وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَدْ بَلَغَ أَجَلَهُ - فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ، وَأَخْذُهُ بِحَقِّهِ، وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى إنْصَافِهِ - عَرَضًا كَانَ الدَّيْنُ، أَوْ طَعَامًا، أَوْ حَيَوَانًا، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِم - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُجْبَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى أَنْ لَا يَنْتَصِفَ إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَدَايَنَا فِيهِ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» .

وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.

وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إنْصَافِهِ إلَّا حَيْثُ تَدَايَنَا فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَ التَّدَايُنُ بِالْأَنْدَلُسِ، ثُمَّ لَقِيَهُ بِصِينِ الصِّينِ سَاكِنًا هُنَالِكَ، أَوْ كِلَاهُمَا، أَتَرَى حَقَّهُ قَدْ سَقَطَ أَوْ يُكَلَّفُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ هُوَ وَصَاحِبُ الْحَقِّ النُّهُوضَ إلَى الْأَنْدَلُسِ لِيُنْصِفهُ هُنَالِكَ مِنْ مَدِينٍ.

ثُمَّ لَوْ طَرَدُوا قَوْلَهُمْ لَلَزِمَهُمْ أَنْ لَا يُجِيزُوا الْإِنْصَافَ إلَّا فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَا فِيهَا بِأَبْدَانِهِمَا حِينَ التَّدَايُنِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا، فَنَحْنُ نَزِيدُهُمْ مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا شِبْرًا حَتَّى نَبْلُغَهُمْ إلَى أَقْصَى الْعَالَمِ.

وَلَوْ حَقَّقَ كُلُّ ذِي قَوْلٍ قَوْلَهُ، وَحَاسَبَ نَفْسَهُ بِأَنْ لَا يَقُولَ فِي الدِّينِ إلَّا مَا جَاءَ بِهِ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةً؛ لَقَلَّ الْخَطَأُ، وَلَكَانَ أَسْلَمَ لِكُلِّ قَائِلٍ.

وَمَا تَوْفِيقُنَا إلَّا بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>