للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا اعْتَدَى فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] .

[مَسْأَلَةٌ أَخْرَجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً]

١٢٤٣ - مَسْأَلَةٌ:

فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً أَوْ عَرَضًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَصْلًا، إلَّا بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا عَرَضَهُ أَوْ كِلَاهُمَا حَتَّى يَصِيرَ الثَّمَنُ ذَهَبًا فَقَطْ، أَوْ فِضَّةً فَقَطْ، ثُمَّ يَخْلِطَا الثَّمَنَ كَمَا قَدَّمْنَا وَلَا بُدَّ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ.

أَوْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ مِمَّا أَخْرَجَ بِمِقْدَارِ مَا يُرِيدُ أَنْ يُشَارِكَهُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا مَخْلُوطًا لَا يَتَمَيَّزُ وَلَا بُدَّ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ مُشَارَكَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ]

١٢٤٤ - مَسْأَلَةٌ:

وَمُشَارَكَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ جَائِزَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِلذِّمِّيِّ مِنْ الْبَيْعِ وَالتَّصَرُّفِ إلَّا مَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ - وَهُمْ يَهُودُ - بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ - فَهَذِهِ شَرِكَةٌ فِي الثَّمَنِ، وَالزَّرْعِ، وَالْغَرْسِ.

وَقَدْ «ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ فَمَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهِيَ رَهْنٌ عِنْدَهُ» وَذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الرَّهْنِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَهَذِهِ تِجَارَةُ الْيَهُودِ جَائِزَةٌ وَمُعَامَلَتُهُمْ جَائِزَةٌ وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَلَا بُرْهَانَ لَهُ.

وَرُوِّينَا عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: لَا بَأْسَ بِمُشَارَكَةِ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَتَوَلَّى الْعَمَلَ لَهَا - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - وَكَرِهَ ذَلِكَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ جُمْلَةً.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَجْوِيزُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: مُعَامَلَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِنْ أَعْطَوْهُ دَرَاهِمَ الْخَمْرِ وَالرِّبَا ثُمَّ يَكْرَهُونَ مُشَارَكَتَهُ حَيْثُ لَا يُوقِنُ بِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِمَا لَا يَحِلُّ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.

وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا نَدْرِي أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرَامَ، كَمَا أَنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الْمَالَ؟ إلَّا أَنَّ مُعَامَلَةَ الْجَمِيعِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يُوقِنْ حَرَامًا، فَإِذَا أَيْقَنَاهُ حَرُمَ أَخْذُهُ مِنْ كَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٍ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُضَارِبِ وَفِي الشَّرِيكَيْنِ: الرِّبْحُ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>