للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: أَمَّا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا فَخَبَرٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ وَلَا مُتَعَلِّقَ لَكُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ الْحَجَّ جَازِيًا مِنْ حَجِّ الْفَرِيضَةِ، فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْكُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ تَطَوُّعٌ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ لِلصَّبِيِّ صَلَاةً وَصَوْمًا وَكُلُّ ذَلِكَ تَطَوُّعٌ مِنْهُ وَلَهُ، وَقَدْ كَانَ الصِّبْيَانُ يَشْهَدُونَ الصَّلَوَاتِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حَجَّ بِهِمْ مَعَهُ وَلَا فَرْقَ.

وَأَمَّا خَبَرُ شُبْرُمَةَ فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حَجَّهُ عَنْ شُبْرُمَةَ يُجْزِي عَنْ الَّذِي حَجَّ عَنْهُ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَّةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي هَذَا إيجَابٌ لِلنِّيَّةِ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ عَلَيْهِ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ مِنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ، أَوْ نَذْرٍ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ نَذَرَهُ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ فَصَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَحَجَّ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَعَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَتِلْكَ الْحَجَّةُ تُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ وَفَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ قَالَ مَالِكِيٌّ: الْحَجُّ كَصَوْمِ الْيَوْمِ إذَا دَخَلَ فِيهِ بِنِيَّةٍ، ثُمَّ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ أَجْزَأَهُ؟ قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَعْمَالٌ كَثِيرَةٌ مُتَغَايِرَةٌ يَحُولُ بَيْنَهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا كَالتَّلْبِيَةِ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مِنْ نِيَّةٍ لَهُ.

وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَهُوَ عَمَلٌ مُتَّصِلٌ لَا يَنْفَصِلُ فَيُجْزِئُهُ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إحَالَةَ نِيَّتِهِ أَوْ إبْطَالَ إحْرَامِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

[مَسْأَلَةٌ أَدْرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ فَلَمَّا سَلَّمَ ذَكَرَ أَنَّهُ غَيْر طَاهِر]

٨٦٢ - مَسْأَلَةٌ:

وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ ذَكَرَ هَذَا الْإِنْسَانُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ صَيْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ عَامِدًا لِقَتْلِهِ]

٨٦٣ - مَسْأَلَةٌ:

وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَصَيِّدًا لَهُ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ عَامِدًا لِقَتْلِهِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ أَوْ عُمْرَتُهُ لِبُطْلَانِ إحْرَامِهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ مَعَ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] الْآيَةَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا فِي إحْرَامِهِ فَإِذَا فَعَلَ فَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>