للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الزِّنَادِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْقَبَائِلُ وَتَرَاضَتْ بِهِ فَقَطْ، فَوَجَدْنَاهُ مُخْبِرًا عَنْ حَقِيقَةِ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَصَحَّ بِإِخْبَارِ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا سُنَّةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَرَاضٍ فَقَطْ فَهَذَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ قَطْعًا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمْ أَنْ قَالُوا: لَمَّا حَمَلَتْ الدِّيَةَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ كَانَ حَمْلُهَا لِبَعْضِ الدِّيَةِ وَلِلْقَلِيلِ أَوْلَى، إذْ مَنْ حَمَلَ الْكَثِيرَ وَجَبَ أَنْ يَحْمِلَ الْقَلِيلَ - وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَصَحَّ أَنَّهَا آرَاءٌ مُجَرَّدَةٌ لَا سُنَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا إجْمَاعَ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] الْآيَةَ.

وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] .

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .

فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَ الْعَاقِلَةَ غَرَامَةٌ أَصْلًا إلَّا حَيْثُ أَوْجَبَهَا النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِإِيجَابِ دِيَةِ النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ عَلَيْهَا وَصَحَّ النَّصُّ بِإِيجَابِ الْغُرَّةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا، لَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنْ تَلْزَمَ غَرَامَةٌ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا غَرَامَةٌ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا يَصِحُّ فِيهَا كَلِمَةٌ عَنْ صَاحِبٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهَا آثَارٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ مُخْتَلِفِينَ غَيْرَ مُتَّفِقِينَ - فَصَحَّ أَنَّهَا أَقْوَالٌ عُذِرَ قَائِلُهَا بِالِاجْتِهَادِ وَقَصْدِ الْخَيْرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة هَلْ يَغْرَمُ الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَةِ]

٢١٤٦ - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يَغْرَمُ الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ: يَغْرَمُ الْقَاتِلُ خَطَأً مَعَ عَاقِلَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>