قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ كَانَ لِأَبِيهِ الْمُسَيِّبِ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ، وَلِرَجُلِ آخَر عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ، فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِلْمُسَيِّبِ: أَنَا أُحِيلُك عَلَى عَلِيٍّ وَأَحِلْنِي أَنْتَ عَلَى فُلَانٍ، فَفَعَلَا فَانْتَصَفَ الْمُسَيِّبُ مِنْ عَلِيٍّ وَتَلِفَ مَالُ الَّذِي أَحَالَهُ الْمُسَيِّبُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَ الْمُسَيِّبُ بِذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ - فَهَذَا خِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُثْمَانَ، وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَهَذِهِ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا.
وَإِذَا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فَلَيْسَ بَعْضُ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ بِاتِّفَاقِكُمْ مَعَنَا فِي ذَلِكَ وَلَسْنَا نَرَى إحَالَةَ مَنْ لَا حَقَّ لِلْمُحَالِ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَنَا مِثْلُ فِعْلِ عَلِيٌّ، وَالْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى الضَّمَانِ، فَإِنَّهُ إذَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرِيمَيْنِ مَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ذَلِكَ، وَلَزِمَ، وَتَحَوَّلَ الْحَقُّ الَّذِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَالِكٌ: لَا يُجْبَرُ الْمُحَالُ عَلَى قَبُولِ الْحَوَالَةِ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: لَوْ وَجَبَ إجْبَارُهُ لَوَجَبَ أَيْضًا إذَا أَحَالَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى آخَر أَنْ يُجْبَرَ عَلَى اتِّبَاعِهِ، ثُمَّ إذَا أَحَالَهُ ذَلِكَ عَلَى آخَر أَنْ يُجْبَرَ أَيْضًا عَلَى اتِّبَاعِهِ، وَهَذَا أَبَدًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ مُعَارَضَةٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا مَا فِيهِ، فَكَيْفَ وَاَلَّذِي اعْتَرَضُوا بِهِ فَاسِدٌ؟ لِأَنَّهُ مَطْلٌ مِنْ غَنِيٍّ، أَوْ حَوَالَةٌ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ، وَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالْحَوَالَةُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يَقْبَلَهَا، وَإِنَّمَا الْحَوَالَةُ عَلَى مَنْ يُعَجِّلُ الْإِنْصَافَ بِفِعْلِهِ لَا بِقَوْلِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ حَوَالَةً بِنَصِّ الْحَدِيثِ
[مَسْأَلَةٌ حَقُّ الْمُحِيلِ إذَا ثَبَتَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ]
١٢٢٨ - مَسْأَلَةٌ:
وَإِذَا ثَبَتَ حَقُّ الْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ جَاحِدًا فَهِيَ حَوَالَةٌ صَحِيحَةٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ بِالْحَقِّ فَقَطْ - وَهَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِأَنَّهُ قَدْ تُجْرَحُ الْبَيِّنَةُ فَيَبْطُلُ الْحَقُّ؟ قُلْنَا: وَقَدْ يَرْجِعُ عَنْ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ الْحَقِّ، وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَدَّاهُ، فَيَبْطُلُ الْحَقُّ - وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ مَا لَمْ يَخُصُّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute