قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَعْلَمُ لِمَنْ رَأَى فِي تَأْكِيدِ الْيَمِينِ عِتْقَ رَقَبَةٍ - فَقَطْ - حُجَّةً، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ بَيَّنَ الرَّقَبَةَ، وَالْإِطْعَامَ، وَالْكِسْوَةَ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ هُنَالِكَ أَيْمَانًا مُؤَكَّدَةً، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١] .
وَلَا نَعْلَمُ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَصَاعِدًا حُجَّةً إلَّا الدَّعْوَى أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، فِي مَجْلِسٍ، وَيَمِينٌ ثَانِيَةٌ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي.
وَهَذِهِ دَعْوَى لَا يُصَحِّحُهَا بُرْهَانٌ، وَكُلُّ لَفْظٍ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ اللَّفْظِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَجْلِسٍ غَيْرُ الْمَجْلِسِ الْآخَرِ وَلَا فَرْقَ.
وَكَذَلِكَ لَا نَدْرِي لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّغْلِيظِ وَغَيْرِ التَّغْلِيظِ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا الدَّعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنْ نَوَى التَّكْرَارَ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ أَيْمَانٌ شَتَّى، فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: هِيَ أَلْفَاظٌ شَتَّى، فَلِكُلِّ لَفْظٍ حُكْمٌ، أَوْ أَنْ يَقِيسُوا ذَلِكَ عَلَى تَكْرَارِ الطَّلَاقِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّ حُكْمَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ غَيْرُ حُكْمِ الثَّانِيَةِ، وَغَيْرُ حُكْمِ الْأُولَى، وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهَا أَلْفَاظٌ شَتَّى، فَنَعَمْ، إلَّا أَنَّ الْحِنْثَ بِهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لَا بِنَفْسِ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَصْلًا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إلَّا الْحِنْثُ، فَالْحِنْثُ فِيهَا كُلِّهَا حِنْثٌ وَاحِدٌ بِلَا شَكٍّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِحِنْثٍ وَاحِدٍ كَفَّارَاتٌ شَتَّى، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ، وَالشَّرَائِعُ سَاقِطَةٌ، إلَّا أَنْ يُبِيحَ الْمَالَ نَصٌّ، أَوْ يَأْتِيَ بِالشَّرْعِ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ]
١١٤٨ - مَسْأَلَةٌ
وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ؛ أَوْ قَالَ: لَا شَرِبْت مَاءَ