وَمَنْ كَابَرَ هَذَا فَإِنَّمَا يُكَابِرُ الْعِيَانَ، وَالْمُشَاهَدَةَ، وَالْحِسَّ
فَوَجَدْنَا الْمَرِيضَ إذَا أَصَابَ حَدًّا مِنْ زِنًى، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ خَمْرٍ، لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ الْحَدُّ، وَإِمَّا أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: يُؤَخَّرُ؟ قُلْنَا لَهُمْ: إلَى مَتَى؟ فَإِنْ قَالُوا: إلَى أَنْ يَصِحَّ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَيْسَ هَذَا أَمَدٌ مَحْدُودٌ، وَقَدْ تَتَعَجَّلُ الصِّحَّةُ، وَقَدْ تُبْطِئُ عَنْهُ، وَقَدْ لَا يَبْرَأُ، فَهَذَا تَعْطِيلٌ لِلْحُدُودِ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَصْلًا، لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَعْجِيلُ الْحَدِّ كَمَا قُلْنَا نَحْنُ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣]
فَصَحَّ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُجْلَدَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ وُسْعِهِ الَّذِي كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَصْبِرَ لَهُ، فَمَنْ ضَعُفَ جِدًّا جُلِدَ بِشِمْرَاخٍ فِيهِ مِائَةُ عُثْكُولٍ جَلْدَةً وَاحِدَةً، أَوْ فِيهِ ثَمَانُونَ عُثْكَالًا كَذَلِكَ - وَيُجْلَدُ فِي الْخَمْرِ وَإِنْ اشْتَدَّ ضَعْفُهُ بِطَرْفِ ثَوْبٍ: عَلَى حَسَبِ طَاقَةِ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا مَزِيدَ - وَبِهَذَا نَقُولُ وَنَقْطَعُ: أَنَّهُ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِيَقِينٍ، وَمَا عَدَاهُ فَبَاطِلٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى - وَبِهِ التَّوْفِيقُ
[مَسْأَلَة كَمْ مَرَّةٍ مِنْ الْإِقْرَارِ تَجِبُ الْحُدُودُ عَلَى الْمُقِرِّ]
٢١٩٥ - مَسْأَلَةٌ: بِكَمْ مِنْ مَرَّةٍ مِنْ الْإِقْرَارِ تَجِبُ الْحُدُودُ عَلَى الْمُقِرِّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً تَجِبُ إقَامَةُ الْحُدُودِ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ؛ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقَامُ عَلَى أَحَدٍ حَدُّ الزِّنَى بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَطْعِ، وَالسَّرِقَةِ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ مَرَّتَيْنِ، وَحَدُّ الْخَمْرِ مَرَّتَيْنِ - وَأَمَّا فِي الْقَذْفِ فَمَرَّةٌ وَاحِدَةٌ - وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute